لم تكن الوثيقة التي اعلنها "حزب الله" على لسان امينه العام السيد حسن نصرالله بالامر العابر، ان لدى من يشاطرون الحزب مواقفه وطروحاته او لدى من يختلفون معه حولها، فالجميع ترقبها وتابع مضمونها ببنودها كافة، ولن نستغرب في الايام المقبلة ان نقرأ في اسرار الصحف عن طلب سفارات عربية وغربية الحصول على نسخة من الوثيقة لرفعها الى دولها تمهيداً لدرسها.
وبعيداً عن المغالاة في تأييد مضمون الوثيقة او المبالغة في انتقادها، لا يمكن اخفاء بعض الاوجه الواضحة للوثيقة واهمها ان "حزب الله" بات اليوم مطمئناً اكثر من أي وقت مضى على ان سلاحه لم يعد مطروحاً على طاولة البحث، وهو متسلح بذلك بعقم الاستراتيجية الدفاعية اولاً، واكتمال عقد شبكة الامان السياسي ثانياً خصوصاً بعد انضمام النائب وليد جنبلاط الى الخط السياسي للحزب، واكمال مسيرة العمل على تخطي احداث 7 ايار ثالثاً، وجهوزيته الكاملة للمواجهة رابعاً، والاهم من كل ما سبق، ترسيخه مقولة وزيرة الخارجية الاميركية السابقة كوندوليزا رايس لجهة ان لا احد يستطيع نزع سلاح "حزب الله" بالقوة.
بعد هذا الاطمئنان، قرر الحزب ان يشمّر عن ساعديه ويدخل حلبة الصراع السياسي بشكل اكثر فاعلية وقوة. صحيح انه كان حاضراً قبل ذلك في هذا المجال، ولكن حضوره كان من باب الوجود السياسي والابقاء على هذا الوجود حتى يحين الوقت لتوسيعه وتفعيله وتعزيزه ويبدو ان الساعة دقت للبدء بهذه العملية.
وعلى الجميع ان يتوقع من الآن فصاعداً حضوراً اكثر فاعلية للحزب في المجال السياسي أي بمعنى آخر "مشاكسة" اكبر في هذا المجال والمطالبة بالمعاملة بالمثل عند توزيع المناصب والمراكز. وكان لافتاً في هذا المجال ما قاله السيد نصرالله من انه في حال تعذر الغاء الطائفية السياسية (وهو الامر السائد حالياً)، فالابقاء على الشراكة والديمقراطية التوافقية هو البديل الوحيد الذي يضمن بقاء لبنان واستقراره، ويأتي بالطبع في هذا السياق موضوع تمثيل الحزب في الحياة السياسية والادارات العامة والمؤسسات.
ولكن هنا تكمن مخاطرة لا بد وان الحزب اخذها في الاعتبار، وهي الخشية من انغماسه في لعبة التسويات والمكاسب وهو موضوع سيحرج الامين العام للحزب الذي غالباً ما كان يتطرق في كلماته الى ان الحزب بعيد عن هذه الامور ولا يقاربها لان انشغالاته عديدة ومسؤولياته كبيرة ولا وقت لديه للتلهي بهذه المواضيع. غير انه من الصعب تماماً على أي فريق في لبنان ان يدخل اللعبة السياسية وساحة النزاع السياسي دون مروره بهذه "التجربة". واذا ما حصل ذلك بالفعل، فإن "حزب الله" سيصبح كغيره من الاحزاب والتيارات السياسية في البلد، وسيتعرض كغيره ايضاً الى لعبة الاتهامات بالمحسوبيات وبالمحاباة، والاهم انه لن يكون بمقدوره ان يعيد ما فعله في التشكيلة الحكومية الحالية لجهة التنازل عن بعض الحقائب لصالح آخرين ولو كانوا حلفاء، وهذا ما ظهرت بوادره في الانتخابات النيابية حين قالها السيد نصرالله صراحة من انه على الحلفاء ان يفهموا انه لم يعد بمقدور "حزب الله" ان يتنازل اكثر مما تنازل عنه بالنسبة الى النيابة.
وعليه، يبقى امام الحزب ان يثبت بالقول والفعل ان نزوله الى الساحة السياسية سيكون مختلفاً عن نزول غيره من الافرقاء الذين باتوا يعربون عن خشيتهم من ان يسيطر الحزب على الحياة السياسية كما سيطر في المجال العسكري حيث نجح في الاحتفاظ بسلاحه رغم كل ما تعرض له من ضغوط وممارسات.