عبد الناصر فقيه
تجلت فكرة وجود "تشكيل مقاتل رديف للمقاومة الإسلامية" في ذهن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، لحظة تقبله التبريكات باستشهاد نجله هادي عندما جاءه شبان من طوائف متعددة، بعضهم من لبنان وبعضهم من دول عربية وإسلامية.. يطلبون الانتساب رسميا الى "المقاومة الاسلامية"، ولم يكن "حزب الله" في وارد استقبال أي منتسبين من غير اللبنانيين، فعرض سماحة الامين العام فكرة "التشكيل المقاتل" أمام مجلس شورى "حزب الله"، الذي شدد على وجوب إنضاج صيغة تؤمن الإنخراط في صفوف المقاومة من كل الطوائف ولكن من دون أن يسمح ذلك بأي خروقات أمنية في صفوف الحزب أو المقاومة. وبعد بحث وتدقيق وإجراء الدراسات اللازمة، تمت الموافقة على "السرايا اللبنانية لمقاومة الاحتلال الاسرائيلي"، وانتقلت الفكرة من أروقة القيادة إلى العلن، وفي الثالث من شهر تشرين الثاني من العام 1997 أعلن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، في مؤتمر صحافي، عن ولادة "السرايا اللبنانية لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي" لكل راغبٍ بالمشاركة في أعمال المقاومة المسلحة ضد الاحتلال الاسرائيلي في الجنوب اللبناني، من أي طائفة أو منطقة أو تيار سياسي كان، وأكد السيد حسن نصر الله "أن هذا التشكيل سوف يبقى منفصلاً عن جسم "المقاومة الإسلامية" الجاهزة لتقديم كل دعم تحتاجه "السرايا" خلال القيام بالأعمال العسكرية والأمنية في المناطق اللبنانية المحتلة"، وتم الإعلان عن أرقام هاتفية للراغبين بالانخراط في «السرايا»، وما ان أنهى الأمين العام لحزب الله مؤتمره الصحافي، حتى بدأت الهواتف المعلنة تستقبل عشرات المكالمات من متصلين من جميع الطوائف والمناطق اللبنانية.
وتشرح أدبيات "السرايا اللبنانية" أن مبادرة "حزب الله" لتشكيل السرايا اللبنانية لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي، "انطلقت من جملة أسس وأبعاد لها امتدادها الواقعي والاستراتيجي، فضلاً عن دراسة الواقع اللبناني، بالإضافة إلى ضرورة استنهاض الطاقات الكامنة في الشباب الطامح إلى تحرير الأرض والإنسان عبر خلق إطار جامع ينطوي تحت لوائه لبنانيون يحملون قضية واحدة هي المشاركة في معركة تحرير أرضهم".
وكان الهدف من المبادرة "تطوير نوع من التكامل المدروس مع التوجه المقاوم وتم وضع جملة أولويات، كان أبرزها تكريس ثقافة المقاومة ومحورية قضية الصراع مع العدو وتحرير الأرض، ومحاربة التطبيع، وإرساء نقطة إجماع كبرى وطنياً وقومياً ودينيا، وتحصين الساحة الداخلية من الخروقات، بحيث يتاح لكل مواطن المشاركة في حماية وطنه".
وتفاوتت أعمار المنتسبين الى "السرايا"، بينما توزعت المهام العسكرية عليهم تبعاً لاختصاصاتهم، مع مراعاة توفر شرطين للانتساب، أولهما أن يكون المنتسب مؤهلاً على المستوى العقلي والنفسي والجسدي للمشاركة الميدانية في القتال، وثانيهما أن لا تكون هناك أية شبهة علاقة أو ارتباط مع العدو الإسرائيلي وعملائه. وأخضع أفراد "السرايا" الى دورات تدريبية وعسكرية شملت المناورات والاختصاصات العسكرية المختلفة بشكل يؤهلهم كي يصبحوا مقاتلين متمرسين بامتياز، وفي الرابع عشر من آذار من العام 1998 افتتحت "السرايا اللبنانية" نشاطها العسكري بتنفيذ ثلاث عمليات استهدفت قوات الاحتلال وعملائه، مستخدمة الأسلحة الرشاشة والصاروخية ومدافع الهاون، ومنذ ذلك التاريخ وحتى العام 2000 استطاعت "السرايا" أن تنفذ 382 عملية عسكرية مختلفة.
وفي العام ألفين، ومع إنجاز تحرير الشريط المحتل، ظنّ البعض أن "السرايا اللبنانية" قد انتفت مبررات وجودها، غير ان وقائع "حرب تموز" عام 2006 أظهرت أن "السرايا" شكلت نوعاً من الحماية لظهر "المقاومة الإسلامية" خاصة في الخطوط الخلفية، حيث شارك بعض افرادها ضمن تشكيلات خاصة في المناطق البعيدة عن المواجهات المباشرة، وقد تولى البعض الآخر مهام لوجيستية وأخرى اجتماعية.
وتبرز فكرة السرايا اللبنانية كعامل مهم يساعد في بلورة مفهوم الإستراتيجية الدفاعية في مواجهة العدو الإسرائيلي والأخطار المحدقة بالبلاد على مستوى لبنان ككل، فالمنضوون تحت لواء "السرايا" ينتمون لطوائف متعددة بما يعني أن دعاوى تفرد "حزب الله" بحمل "السلاح" الموجه ضد "إسرائيل" ستنتفي، غير أن فكرة "السرايا" بما تحمله من صفات تعزز التوافق الوطني لا تكفي وحدها، لأن اعتماد استراتيجية دفاعية موحدة في لبنان يحتاج أولا إلى التوحد حول الهدف، ومن هو العدو، وخاصة أن بعضاً من السياسين في لبنان ما زال يؤمن بالأحلام القديمة التي كان فيها صديقاً لـ "إسرائيل"، فيما يؤمن البعض الاخر بما اسماه "الحياد الإيجابي" في الصراع العربي الإسرائيلي حيث لا لون ولا رائحة لكرامة اللبنانيين.
ولحين "موافقة" هذا البعض على الإستراتيجية الدفاعية، تبقى المقاومة على مختلف تسمياتها، تأخذ الأذن من كونها "حاجة ضرورية ومنطقية" للدفاع عن الشعب اللبناني لأن لبنان لا يمكن أن يقاوم العدو (إسرائيل) إلا بمقاومة شعبية تنسق مع الجيش الوطني بما يعطيها الفعالية والقدرة على التحرك، وإلحاق اكبر أذى بهذا العدو المتربص.
الأنتقاد