يبدو أن قرار تيار المستقبل «تصفية» الشركة الأمنية التابعة له «سيكيور بلاس»، لن يمر مرور الكرام. إذ إن رجال التيار قرروا رفع الصوت عالياً، وهم الذين وقفوا إلى جانبه عند المفترقات الخطيرة التي مرت بها البلاد خلال السنوات الماضية، منذ أحداث الجامعة العربية عام 2007، وصولاً إلى الانتخابات النيابية الأخيرة، وبينهما أحداث أيار 2008. يقول أحد هؤلاء، وهو من البقاع الأوسط، إن التيار «تعامل معنا كأكياس الرمل لنحمي خياراته السياسية. والمنسّقون هم الذين يأكلون الجبنة. تركنا أشغالنا والتحقنا بهم ليتركونا اليوم على قارعة الطريق».
تضم الشركة في صفوفها أكثر من 800 موظف متفرغ مسجلين على جداولها، إضافة إلى أكثر من 6 آلاف أطلِقت عليهم صفة الأنصار، وهم من غير المدرَجين على لوائح الشركة، ويتقاضى كل منهم شهرياً مبالغ تراوح بين 100 دولار أميركي و500 دولار. وقد وقع قرار تفكيك الجسم الأمني التابع للمستقبل، الذي بدأ بصرف الأنصار، كالصاعقة على من شملهم في البقاع الأوسط، الذين وصل عددهم إلى نحو 780، بحسب أحد مسؤولي المجموعات المصروفين. وألّف هؤلاء لجنة لمتابعة قضيتهم، مبادرين للاتصال بالجهات المعنية في التيار. وبعدما فشل مسؤولو التيار في وضع أي تصور لإعادة المياه إلى مجاريها، حسبما روى أحد أعضاء اللجنة، قرر العناصر الذين شملهم قرار الصرف التجمع أمام مبنى المنسقية لتيار المستقبل في البقاع، والاحتجاج على الصرف من دون أي تعويض أو بديل. وعند حضورهم مساء أول من أمس إلى مبنى المنسقية في تعنايل، وتهديدهم لقيادة البقاع بأنهم سيلجأون إلى التصعيد الإعلامي، طلب منهم منسق البقاع الأوسط، أيوب قزعون، الاتصال بالإعلاميين وإبلاغهم تعليق الاحتجاج، مقابل الاستماع إلى مطالبهم ونقلها إلى سعد الحريري. وضربت قوى الجيش طوقاً مشدداً حول المبنى، ما حال دون خروج المحتجين من حرمه، ومنع الإعلاميين من الاقتراب منه.
هذا الاحتجاج سبقه منذ شهر تقريباً اجتماعات متتالية للأنصار ورؤساء مجموعاتهم الذين صُرفوا، للتداول بالطرق التصعيدية التي سيلجأون إليها. وما زاد طين المصروفين بلة، هو أن العدد الأكبر من زملائهم المثبّتين تبلغوا إنذارات بأن الشركة ستصرفهم من العمل بدءاً من نهاية العام الجاري. أحد رؤساء المجموعات المحتجين، أ.ع. قال لـ«الأخبار» إن منسّق التيار في البقاع وعدهم بنقل مطالبهم إلى القيادة في قريطم، وعلى رأسها ضمهم إلى التيار كمحازبين مفرغين، على أن تبقى رواتبهم على ما هي عليه. وقال رفيق له: «كنا نتمنى تنظيف التيار من المتملقين والمنتفعين. وما لم نكن نتوقعه أن يأتي الصرف لهذه الطبقة الفقيرة التي ضحّت من أجل خيارات الشيخ سعد الحريري».
أما س.ع، وهو رئيس مجموعة، فكشف لـ«الأخبار» أنه هو وعدداً كبيراً من رؤساء مجموعات الأنصار وأفراد هذه المجموعات، في صدد العمل على جمع العدد الأكبر «من الشباب لتوحيد تحركاتهم للوصول إلى صيغة من اثنتين: إما إعلان الانشقاق عن التيار، وإما ضمهم إليه وإبقاء رواتبهم كما هي». وقال رفيقه ج.ل. إنه كان قد انتسب إلى الشركة الأمنية بعد أحداث الجامعة العربية، لإيمانه «بمسيرة الحريري ولحماية حقوق السُّنّة، ومنعاً لأي فريق آخر من التعدي على التيار». وتوجه ج.ل. برسالة إلى الحريري، قائلاً: «هذا القرار يفرّغ التيار من مناصريه ومؤيديه، ما يجعلهم يطرقون أبواب أحزاب المعارضة وتياراتها».
الأمر لم يقتصر على منطقة البقاع، إذ قال أحد نواب تيار المستقبل في الشمال إن عدداً كبيراً من المناصرين راجعوه بخصوص قرار فصلهم. وعندما راجع النائب المعنيين في التيار، خشية أن يتسرب هؤلاء إلى صفوف بعض الأطراف «التي قد تستغلهم، ولأن هذا الأمر يؤثر على معيشة بعضهم»، تبين له أن القرار نهائي. ولفت النائب إلى أن السبب الرئيسي الذي أدى إلى صرف هؤلاء هو «أزمة قلّة السيولة المالية التي يعانيها تيار المستقبل منذ ما بعد الانتخابات النيابية». لكن أحد المقربين من النائب سعد الحريري قال لـ«الأخبار» إن السبب ليس مالياً فقط. فمن جهة، قرر الحريري تحويل شركة «سيكيور بلاس» إلى شركة أمنية رابحة مالياً، على أن تكون تابعة لإحدى الشركات المملوكة من آل الحريري، وأن يكون عديد موظفيها نحو 150 شخصاً فقط. ومن جهة ثانية، فإن الرأي الذي كان سائداً بين عدد كبير من المحيطين بالحريري، ومنذ أحداث الجامعة العربية، كان يقول إن «الطائفة السُّنية لا تحمل جسماً أمنياً وعسكرياً، وبالتالي، لا ينبغي اللجوء إلى تسليح المناصرين، وهو ما كان يطالب به فريق من المحيطين بالحريري. لكن البعض تمكن من إنشاء جسم فضفاض تبيّن عدم جدواه في أيار 2008». ومنذ ما قبل الانتخابات النيابية، كان الحريري قد اقتنع بضرورة تفكيك هذا الجسم، بحسب المصدر ذاته، إلا «أننا نصحنا له بأنّ من المناسب إرجاء تنفيذ هذا التصور إلى ما بعد الانتخابات». ورأى المصدر أن قرار الصرف أتى في السياق ذاته لإبعاد النائب السابق سليم دياب عن الهيكلية التنظيمية للتيار.
الأخبار