المتحديان السابقان للتفوق الاميركي بعد الحرب، اليابان والاتحاد السوفياتي، سقطا على جانب الطريق في نهاية المطاف.
في الاسبوع الماضي تم نقل كلب تيبتي ضخم بالطائرة الى مطار اكسيان في وسط الصين، حيث استقبل استقبالا يليق بامبراطور. ونقل الكلب عبر المدينة بمرافقة موكب من 30 سيارة مرسيدس بنز. الكلاب التيبتية الضخمة سلالة نادرة ونبيلة. والكلب المدلل كلف مالكيه الجدد اربعة ملايين رنمينبي (586 الف دولار). وفي تغطيتها للقصة، علقت صحيفة "تشانيا ديلي" بعصبية، قائلة ان عرضا مسرفا للثروة ربما "يزيد التوتر بين الاغنياء والفقراء".
وقصة هذا الكلب الاشعث ليست سوى مثال غريب بشكل خاص على الثروة الجديدة للصين الحديثة. فعندما زرت اخر مرة مقاطعة بودونج، في شنغهاي، في اواسط تسعينيات القرن الماضي، كانت منطقة مهلهلة من المصانع ومستودعات البضائع. وفي الاسبوع الماضي وجدتها تحولت الى غابة من ناطحات السحاب الحديثة، المضاءة بمصابيح النيون. ولم تبال الصين بالركود العالمي ويجب عليها ان تنمو بنسبة 8 في المائة عام 2009.
وفي هذه السنة مرت الصين بعدد من المعالم الاقتصادية البارزة. فهي الان اكبر مصدر في العالم ـ تتجاوز المانيا، وهي اكبر سوق في العالم للسيارات ـ تتجاوز اميركا، واحتياطياتها من العملة الاجنبية، وهي الاكبر في العالم، تزيد الان عن 2000 مليار دولار، واكبر معلم من بينها كلها - اللحظة التي تصبح الصين عندها اكبر اقتصاد في العالم - اخذ يقترب. وقد ذاع عن جولدمان ساكس انه توقع قبل سنتين ان تحقق الصين ذلك الهدف عام 2027، لكن هذا كان قبل الازمة المالية. واذا كانت اميركا مهياة الان لفترة طويلة من نمو ابطا، فان اللحظة الكبيرة ستجيء في وقت اقرب.
وعودة الى عام 1979، كتب ازرا فوجال، وهو اكاديمي اميركي، كتابا بعنوان "اليابان رقم واحد" Japan as Number One. والان تحظى الصين بالنوع نفسه من الانتباه. وسبب مارتن جاكس، وهو كاتب بريطاني، ثورة بكتابه الجديد الذي ظهر بعنوان جريء: "حين تحكم الصين العالم" When China Rules the World.
ان سيكولوجيا العلاقة بين الولايات المتحدة والصين تغيرت فعلا. عندما كانت مرشحة رئاسية عام 2007، سالت هيلاري كلينتون نفسها السؤال التالي: "لماذا لا نصبح صارمين مع الصين؟" واجابت: "كيف تصبح صارما مع محافظ بنكك؟".
ومنذ ذلك الحين ادت الازمة المالية الى توسيع شديد لعجز الموازنة الاميركية وجعلت اميركا اكثر اعتمادا على المشتريات الصينية للدين الاميركي. ويعتقد الان ان الصين تشتري ما لا يقل عن 20 مليار دولار من اوراق الخزانة الاميركية شهريا.
وفي السنة التي اعقبت نشوب الازمة المالية اصبحت الحكومة الصينية، وبشكل ملحوظ، اكثر حزما في الطريقة التي تتحدث بها مع اميركا. ودعا وين جياباو، رئيس الوزراء الصيني، الولايات المتحدة الى "الحفاظ على صدقيتها واحترام التزاماتها وضمان امن الاصول الصينية". ويفكر البنك المركزي الصيني فيما اذا كان عليه استبدال الدولار كعملة احتياطي عالمية.
وتعزيز الصين لقدرتها العسكرية يستمر بسرعة كبيرة ايضا. علق مايكل مولن، وهو ضابط عسكري كبير في اميركا، في ايار (مايو) قائلا "ان اعادة تسلح الصين يركز جيدا فيما يبدو على البحرية الاميركية وعلى قواعدنا في ذلك الجزء من العالم".
لكن اميركا ما زالت قادرة على التصدي لمحافظ بنكها حين يتطلب المزاج ذلك. وقد اثارت ادارة اوباما الغضب في بكين بفرض رسوم جديدة على الاطارات الصينية. فهل الصين فعلا رقم واحد قوي؟ المتحديان السابقان للتفوق الاميركي بعد الحرب - اليابان والاتحاد السوفياتي - سقطا على جانب الطريق في نهاية المطاف.
ومن الواضح ان الصين بطرق معينة، متحد اكثر قبولا من اليابان. فسكان اليابان نحو 128 مليون نسمة، بينما يبلغ عدد سكان الصين 1.3 مليار نسمة. وعدد الصينيين نحو اربعة اضعاف عدد الاميركيين.
لكن ما زالت الصين تواجه تحولات صعبة جدا، اقتصادية وسياسية. ولان المستهلك الاميركي ياخذ الان راحة مستحقة، فان على الصين ان تظهر انه ما زال بامكانها ان تنمو بسرعة دون الاعتماد على الصادرات. ويشير المتفائلون الى الاداء الاقتصادي لهذه السنة، ليقولوا ان "فك الارتباط" حدث فعلا - وان الصين تملك الان طلبا داخليا يكفي لتحريك اقتصادها.
والمتشائمون يقولون ان الحكومة ابقت على الاقتصاد فقط من خلال زعزعة وزيادة الائتمان بلا جدوى، وهي امور تخزن المشاكل للمستقبل. ويعتمد الكثير جدا على من هو المصيب في تصرفه.
ان هاجس الحكومة المهيمن عليها وهو تحقيق رقم النمو الطوطمي (المقدس) بنسبة 8 في المائة في السنة، يشير الى هشاشة البلاد السياسية المستمرة. ولانه من دون تفويض ديمقراطي، يعتمد الحزب الشيوعي على نمو سريع لابقاء النظام مستقرا. وعلى البلاد ان تقوم على نحو ما بالتحول الى نظام يمكن للحكومة فيه ان تعتمد على مصادر بديلة للشرعية. فبعد 20 سنة من مذبحة تيانانمن لا يظهر الحزب الشيوعي اي مؤشر مباشر على التفكير في الانتقال الى نظام اكثر ديمقراطية. وفي الوقت ذاته، فان الاعلام الصيني يتوقع علانية امكانية ان تزداد الاضطرابات الاجتماعية الى مستويات خطيرة اذا ضعف النمو الاقتصادي.
والبطالة ليست سوى اوضح مصدر محتمل للسخط الشعبي في الصين. والاحتجاجات البيئية اخذت تصبح اكثر تكرارا، والتوترات العرقية في التيبت وشنجيانج اثارت الاضطرابات. وتتزايد الشكاوى حول الفساد والتفاوت الاجتماعي. وربما يكون ذلك هو السبب الذي جعل الاعلام الرسمي عصبيا جدا ازاء احداث مثل الموكب المنتصر لكلب الملياردير.
وتبقى الحكومة الصينية عينها يقظة جدا على مصادر السخط الواضحة المحتملة: حرم الجامعات، وغرف الثرثرة على الانترنت، وما شابه ذلك. لكن اذا عاد عدم الاستقرار السياسي الى الصين فربما يثيره شيء غير متوقع ابدا. فما زال هناك كثير من الاشياء التي قد تجانب الصواب، قبل ان تصبح الصين صاحبة النفوذ المقبلة.
* فاينانشال تايمز- جديون راتشمان
عن قناة العالم