جاسم بودي رئيس تحرير جريدة الرأي الكويتيه/ يا ليتك كنت معنا‏

يا ليتك كنت معنا

يا سيدي الإمام ...
في مثل هذه الايام قبل مئات السنين، غرست في كربلاء ملايين الاشجار على جانبي طريق الحق. رويتها بدماء الشهادة الطاهرة وغذيتها بالقيم الانسانية العظيمة وسقيتها مبادئ الإيمان والوحدة والإخاء والمحبة والتضحية والفداء.
وفي هذه الايام كم نحن بحاجة الى ثورة القيم التي جسدتها في عاشوراء. وكم نحن بحاجة الى التوقف فورا عن جعل المناسبة مدعاة للانقسام بدل ان تكون مدعاة للتوحد والتبصر، فأنت لم تكن شيعيا أو سنيا إنما كنت مسلما موحدا مؤمنا بان الانقسام اقصر الطرق إلى ضعف المسلمين وخسارتهم وسقوطهم.
سئلت يوما: من أشرف الناس؟ فقلت عليك السلام: «من اتعظ قبل أن يوعظ، واستيقظ قبل أن يوقظ». فهل نحن على هذا النهج سائرون أم أننا ننتظر من يعظنا يمينا فنسلك دربه ومن يعظنا يسارا فنسلك دربه؟ وهل نحن فعلا مستيقظون أم أن هشاشتنا وصلت مرحلة نتحارب فيها بمختلف انواع الاسلحة لأن شيخا (او شبه شيخ) حرض، او لأن مقالة (او شبه مقالة) انحرفت؟
نحن نيام يا سيد الشهداء في كهوف التخلف والتراجع والطائفية والكراهية والتعصب والتطرف والارهاب والتعبئة العمياء ضد بعضنا البعض، وكل من يدعي غير ذلك إما مخادع واما متواطئ. نحن نيام يا سيد الشهداء لاننا لا نتعظ ولا نعرف ما هي اليقظة. نقع في الفخ نفسه مئة مرة ونسير الى الحفرة نفسها بأقدامنا الف مرة، ولأننا عاجزون عن الانتصار على ذواتنا كما فعلت وأهلك وأنصارك نضع اللوم دائما على الآخرين ونحمّلهم وزر كراهيتنا وضعفنا وتطرفنا وإرهابنا وتعصبنا.
والآخرون ليسوا أبرياء ايضا، لكننا لم نتواص بالحق والصبر كي نمنعهم من استغلال انقساماتنا، ولم نعتصم بحبل الله كي نردعهم عن خرق صفوفنا، ولم نملك الإيمان بأن الدم يمكن ان ينتصر على السيف كي نواجه ونقاتل، ولم نلتزم بما قلته يا إمام وأنت في معركة الحق: «المؤمن أخ المؤمن لا يشتمه ولا يحرمه ولا يسيء به الظن»... نحن نشتم ونحرم ونسيء الظن بإخوة لنا اكثر من إساءة الظن بالآخرين.
في كل ذكرى كنا نقول «يا ليتنا كنا معك» لكننا اليوم نقول «يا ليتك كنت معنا» كي تصنع الصدمة ما اغفلته العادات. يذكرونك بالفداء والإقدام ورفضك فرار الذليل وعطاء العبيد. تختصر فينا كربلاء سنوات القهر والجمر والنصر لكن اختصارك في دائرة التضحية والشهادة ظلم لك ولنا، فانت كتاب مفتوح على الحكمة والوحدة والانسانية والرؤية والبصيرة... وكلها نحتاجها فكن معنا.
كن معنا حتى تذكرنا بان «العقل هو ما عبد به الرحمن واكتسب به الجنان»، وهذه أولى الأوليات لنستذكر عقلا اضعناه في مسارات التبعية. كن معنا لتعيد القول بان عبادة الاحرار هي افضل العبادات لا عبادة الرغبة اوعبادة الرهبة. كن معنا لتؤكد «ان الكسل والضجر مفتاح كل شر فمن كسل لم يؤد حقا و من ضجر لم يصبر على حق»... وكن معنا لنحاول عصمة انفسنا ما أمكن عن نوازع التطرف الذي هو شر وعن مكامن الانجراف والافتتان بالكلمة السيئة والموعظة الدنيئة «فمن لم يجعل الله له من نفسه واعظا فإن مواعظ الناس لن تغني عنه شيئا».
كن معنا حتى لا يكون هناك كرب ولا بلاء. حتى تصفو النفوس ونحاول استيعاب معاني الوحدة والجسد الواحد والبنيان المرصوص. كن معنا حتى تذكرنا بأن «البشر الحسن و طلاقة الوجه مكسبة للمحبة و قربة من الله و عبوس الوجه وسوء البشر مكسبة للمقت و بعد من الله»، فنحن نغتال الابتسامة ان ارتسمت حتى على وجوه الاطفال فيما تجتاح الوجوه العابسة الكشرة دوائر المحبة... بهدف الدعوة.
ويا سيدي الإمام، كن معنا حتى تعلمنا انه «ما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب». كم تحتاجك قلوبنا وعقولنا وكم تحتاج أمتنا إلى الرحمة والتعقل. سلام عليك يا أبا عبدالله الحسين... سلام عليك يا سيد شباب أهل الجنة...

جاسم بودي