■ الواقع السياسي في لبنان
خروج الجيش السوري من لبنان أحيا أملاً وسط أطراف مختلفة في البلاد وفي العالم، بأن يؤدي هذا الأمر إلى تعزيز مؤيّدي الغرب في هذا البلد وتقويتهم، إلا أن هذا الأمل تبدّد وشغل الفراغ النسبي حزب الله. التنظيم الذي قبل ذلك كان يحظى بدعم سياسي محترم عزز قوته تدريجاً.
صحيح أن حرب لبنان الثانية استوجبت منه خفض البروفيل لفترة زمنية معينة، لكن هذه الفترة انتهت. حدثان يرمزان إلى المكانة القوية لحزب الله في لبنان: ـــــ الحدث الأول هو الأزمة بشأن إصراره على إقامة شبكة اتصالات مستقلة له. وفي هذه الأزمة أثبت حزب الله أنه هو الطرف الوحيد القادر في لبنان على استخدام قوة عسكرية، وبذلك يخضع معارضيه. فليست الحكومة اللبنانية فقط انحنت أمامه، بل انحنى أمامه العالم العربي، وألزم الحكومة اللبنانية بالقبول باتفاق الدوحة الذي يعطي حزب الله حق الفيتو على قراراتها.
الحدث الثاني: انتخاب الرئيس اللبناني. مع انتهاء ولاية الرئيس السابق لحود، الذي كان «دمية» سورية، كان هناك أمل بأن يكون هناك رئيس مستقل هذه المرة. سوريا وحزب الله أوضحا أنهما لن يدعما ذلك، وكانت النتيجة انتخاب سليمان رئيساً. ويعرف عن الرئيس الجديد أنه انتخب بفضل دعم حزب الله، وحرص منذ يومه الأول على إيضاح ذلك لمَن يشعر بأنه مدين له، والطريقة التي استقبل بها القاتل سمير القنطار كانت مثالاً رمزياً على ذلك.
في الختام، بالإمكان القول إن حزب الله وصل إلى استكمال المبدأ الساري المفعول جداً في العالم العربي، والقائل بأن القوة السياسية تمكّن من الاحتفاظ بالسلاح، بينما السلاح يحفظ القوة السياسية. اليوم، الرئيس اللبناني والحكومة اللبنانية لا يعترفان بحق حزب الله في مواصلة الاحتفاظ بسلاحه الخاص فقط، بل يريان في هذا السلاح وسيلة حيوية ومشروعة لتحقيق المصالح الوطنية.
الوضع اليوم مثالي بالنسبة إلى حزب الله. فمن جهة، هناك حكومة شرعية ومؤيّدة للغرب تحظى بدعم الولايات المتحدة وفرنسا والأمم المتحدة والمجتمع الدولي. ومن جهة ثانية، الحكومة نفسها خاضعة تماماً لإرادة حزب الله.
الأكثر من ذلك، التصريحات الأخيرة، سواء للرئيس اللبناني أو لرئيس الحكومة، تعطي غطاءً وطنياً لادّعاءات حزب الله بضرورة تحرير مزارع شبعا، وأيضاً بحق كون هذا التنظيم هو السور الحامي للبنان من العدوان الإسرائيلي. وعلى خلفية هذه الحقائق، يمكن القول إنه مثلما حزب الله هو وكيل لإيران، وجزئياً لسوريا، هكذا هي الحكومة اللبنانية، فهي وكيل لحزب الله.
لماذا لا يمكننا الانتصار؟
التفوّق العسكري لجيش مثل جيش الدفاع، يأخذ ترجمته القصوى عندما تتوافر ثلاثة شروط؛ واحد استراتيجي واثنان عملياتيان (تكتيكيان).
الشرط الاستراتيجي هو كون العدو دولة تتحمل مسؤولية عن السكان، والبنى التحتية، وأمام المجتمع الدولي. فإن لهذا العدو ما يخسره، لذا في الإمكان ممارسة الضغط عليه. ومن السهل نسبياً جعل عدو هو دولة يعترف بالوضع الذي فيه الخسارة من استمرار الحرب أكثر من الفائدة.
الشرط العملياتي، الأول، هو كون جيش العدو مكوّناً من أهداف (صلبة)، مثل دبابات، طائرات، مواقع سيطرة. في الإمكان القول إن قدرات جمع المعلومات والمهاجمة بأسلحة دقيقة تمكّن اليوم من مهاجمة فعالة لأهداف مركّبة، ونقصد بذلك حجم الهدف وأيضاً حيويته. الفعالية تقل عندما تكون الأهداف هي أشخاصاً أو منصّات إطلاق معدنية.
الشرط العملياتي الثاني، هو كون ساحة المعركة بعيدة عن التجمعات السكانية المدنية. والمقصود هو كلا طرفي المعادلة ـــــ سواء بعد العدو، عن مدنييه، وسواء بعد ساحة المعركة عن مدنيينا.
حزب الله بوصفه تنظيماً عسكرياً، يتموضع بالضبط في الطرف الثاني من الطيف. فإذا ما اندلعت حرب لبنان الثالثة، فستكون نتائجها شبيهة بالحرب السابقة. حتى لو نجح جيش الدفاع أكثر في عمله ضد مقاتلي حزب الله، فمن المعقول أن يضرب الحزب المواطنين الإسرائيليين بنجاح فائق. ولهذا أسباب ثلاثة:
عدد الصواريخ، حجمها (وفقاً لحيوية هدفها)، واستخدامها من مناطق مبنية، وكل هذا لا يمكّن من تصفيتها. في أفضل الأحوال، سيكون من الممكن، بعد جهد كبير، تقليص عدد القصف اليومي إلى بضع عشرات، ومن ناحية سكان إسرائيل الذين سيكونون في مناطق معرّضة للخطر، فإن هذا لا أهمية عملية له تقريباً.
احتلال أرض كبرى (مثلاً لغاية الليطاني)، سيضرّ بحزب الله، ويقلّص عدد الإطلاق، لكن لن يوقفه.
لن يسارع حزب الله إلى الموافقة على وقف إطلاق النار لكونه (يختلف عن جيش دولة) غير مبال نسبياً بفقدان مقاتلين وخسارة أسلحة أو أراضٍ. عدا ذلك، ليس كالحكومة، فهو أقل حساسية تجاه ضغط الرأي العام والضغط الدولي.
■ مغازٍ ومخاطر
التغيير في النهج الإسرائيلي من شأنه أن يؤدي إلى ضرر بالشرعية الإسرائيلية وإلى ضغط دولي، وحتى إلى تلقّي توجيه واضح من الولايات المتحدة لوقف تدمير لبنان. وهذا يذكّر برد العالم، وضمنه ذلك الولايات المتحدة، مع بداية عملية السور الواقي في نيسان 2002. فكما نذكر بدأت هذه العملية بعد العملية التخريبية في أوتيل بارك في نتانيا، عشية عيد الفصح، التي أدت إلى مقتل نحو 30 إسرائيلياً. هذه العملية مثل الكثير من سابقاتها، قامت بها حماس. تلقّت الولايات المتحدة العملية العسكرية ضد حماس بتفهّم، لكنها وجدت صعوبة في قبول العملية كما خططت لها إسرائيل، عملية ضد السلطة الفلسطينية.
هكذا أيضاً بالنسبة إلى لبنان. فالوضع الذي تضرب فيه إسرائيل الأشرار فقط، حزب الله، لكنها تمتنع عن ضرب أعزّاء الغرب والأمم المتحدة (لبنان وحكومته)، هو وضع مريح ومرغوب لدى جميع الآخرين، لكنه سينزل بنا كارثة. فما من خيار سوى المواجهة في هذا الموضوع، إذا اقتضت الضرورة، مع أصدقائنا.
بناءً على ذلك، فإن الطريقة لمنع حرب لبنان الثالثة، والطريقة للانتصار فيها، إذا ما اندلعت، وبذلك نمنع حرب لبنان الرابعة، هي واحدة: الإيضاح لأصدقاء لبنان وبواسطتهم للحكومة وللشعب اللبناني أن الحرب القادمة ستكون بين إسرائيل ولبنان لا بين إسرائيل وحزب الله. حرب كهذه ستؤدي إلى القضاء على الجيش اللبناني وتدمير البنى التحتية في البلد وإلى معاناة قاسية للسكان. ويجب ألا يتكرر الوضع الذي يتمتع به مواطنو بيروت (وهذا لا يشمل الضاحية) بالذهاب إلى البحر والمقاهي بينما سكان حيفا يقيمون في الملاجئ.
--------------------------------------------------------------------------------
- جريدة الاخبار .
http://www.wa3ad.org/index.php?show=...ticle&id=52557