الشيخ تامر محمد حمزة
"من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية"(1).
الإمام الذي تجب معرفته ليس هو إمام الجور والكفر، وكذلك، ليس من كان في موقع المواجهة لنبي الرحمة (ص) ولخلفائه، إذ هؤلاء لا يليق الوقوف عندهم، فضلاً عن وجوب معرفتهم. أيعقل أن يحكم رسول الله على من أخرجه من الجاهلية إلى الإسلام بميتة جاهلية طالما أنه لم يعرف من قاتله وحارب خلفاءه؟
بل الذين يموتون هكذا ميتة أولئك الذي لم يعرفوا الإمام الذي سخّر له الزمان والمكان وهو إمام الحق والعدل .
ومن جهة أخرى، ليس المقصود من معرفة إمام الحق والعدل هو معرفته باسمه وشخصه وزمان ومكان ولادته وأنه أب مَن وإبن مَن، وإلا، فأكثر من كان في الجاهلية ـ بل كلهم ـ كانوا يعرفون النبي وخلفاءه الشرعيين هكذا معرفة، فكيف يموتون ميتة جاهلية؟ أليس هذا خلف بل هو عين التناقض والتهافت؟
وعليه، فالمراد من المعرفة هي المعرفة بالمقام والمكانة ثم الاعتراف والإقرار لهم "وإنما الأئمة قوام الله على خلقه، وعرفاؤه على عباده، لا يدخل الجنة إلا من عرفهم وعرفوه"(2).
* ما قيل عن الولادة:
ولادة الإمام المهدي (عج) كانت محلاً للنزاع والاختلاف عند علماء السنّة، وقد ذهب بعضهم إلى إنكار الولادة وأنه سوف يولد في الزمان الذي يظهر فيه، مقابل من اعترف وأقر بولادته، كما يظهر من جملة كثيرة من العلماء في أكثر من مائة وعشرين مصدراً أساسياً .
قال ابن خلدون في ترجمة الإمام الحسن العسكري والد المهدي المنتظر "وترك حاملاً ولدت منه ابنه فاعتقل، ويقال دخل مع أمه السرداب بدار أبيه وفقد..."(3) الحديث.
وقال الحافظ الذهبي (ولد سنة 256): وهو محمد بن الحسن العسكري... أبو القاسم الذي تلقبه الرافضة الخلف الحجة، وهو خاتمة الأئمة الإثني عشر(4).
وأما ابن خلكان، فقال فيه: أبو القاسم محمد بن الحسن العسكري...، وكانت ولادته يوم الجمعة منتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومايتن. لما توفي أبوه كان عمره خمس سنين(5).
* نسبه (ع):
لقد تواترت الروايات حول النسب المبارك للإمام الحجة (عج)، وليس هناك ما يعارضها؛ وقد اتفقت على أنه من صلب رسول الله (ص) وإن اختلفت الصياغات، كما جاء في بعضها "رجل مني" وفي أخرى "من أهل بيتي"، وفي ثالثة "من عترتي". ومن أوضحها وأصرحها ما رواه أبو داوود في سننه عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة قالت: سمعت رسول الله يقول: "المهدي من عترتي ومن ولد فاطمة"(6).
وقد نفى (ص) أن يكون من غيره، كما جاء في رواية أبي نعيم بإسناده إلى الإمام أمير المؤمنين (ع) قال: "قلت: يا رسول الله (ص)، منا المهدي أم من غيرنا؟ فقال (ص): بل منا، يختم الله به الدين كما فتحه بنا"(7).
* اسمه وصفاته:
اتفقت كلماتهم تقريباً على أن اسمه محمد بن الحسن العسكري، ويكنى أبا القاسم وأبا عبد الله، ومن ألقابه المهدي. وفي عدة أخبار قال: سُمّيَ المهدي لأنه يهدي لأمر خفي(5و7)، وكذلك يقال له الجابر لأنه يجبر قلوب أمة محمد (ص) أو يقهر الجبارين والظالمين ويقصمهم(
. وروي أنه كان مربوع القامة، حسن الوجه والشعر، أقنى الأنف، أجلى الجبهة(9). وقد وصفه القاضي النعماني المغربي فقال: المهدي أجلى الجبهة، أقنى الأنف وهاتان الصفتان من أحسن صفات الجباه والأنوف(10). وقال العلامة المولوي محمد مبين الهندي الحنفي: روي عن أبي محمد العسكري أنه سأله رجل عن الإمام والخليفة من بعده، فدخل البيت فأخرج طفلاً كان وجهه كالبدر، فقال: لو لم يكن لك عند الله كرامة لما أريتك(11).
* الغيبة:
لم تشغل غيبة الإمام (عج) حيزاً واسعاً في كتب العامة، بالرغم من كثرتها وتنوعها سواء كانت قديمة أم متأخرة. وبالرغم من ذلك، فقد عثرنا على بعض النصوص، منها ما جاء ذكره في تاريخ ابن خلدون السابق، حيث أشار إلى بداية الغيبة عبر دخوله مع أمه في السرداب بدار أبيه.
وفي نصوص أخرى إشارة إلى أصل الغيبة ونقل صورة عن حالة الأمم في ظلها وما يصيبها من الحيرة والضلال، ثم انتهت إلى حركة الظهور وإقامة العدل فيها، وهذا النص رواه جابر بن عبد الله الأنصاري عن النبي(ص) قال "المهدي من ولدي، اسمه اسمي وكنيته كنيتي، أشبه الناس بي خلقاً وخُلقاً، يكون له غيبة وحيرة يضل فيها الأمم ثم يقبل كالشهاب الثاقب يملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً "(12).
وقد نقل الجويني نصاً آخر يبين لنا الموقف السليم خلال الغيبة، وهو الثبات على إمامته والإعتقاد الصحيح بها وعدم السماح بتسلل الشك إلى القلوب والعقول، كما جاء في آخر فرائد السمطين عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال : قال رسول الله (ص) "... والذي بعثني بالحقِ بشيراً، إن الثابت على القول بإمامته في زمان غيبته لأَعزُّ من الكبريت الأحمر. فقام إليه جابر بن عبد الله الأنصاري، فقال: يا رسول الله، وللقائم من ولدك غيبة؟ فقال: إي وربي، يمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين. يا جابر، إن هذا الأمر من الله وسر من سر الله مطوية عن عباده، فإياك والشك فإن الشك في أمر الله كفر(13).
* إستمرارية حضوره (ع):
لم ينقل أحد من الرواة ولو رواية ضعيفة حول وفاة الإمام الحجة، بل كلمتهم متفقة على وجوده حياً وإن لم نتمكن من رؤيته ويبقى كذلك إلى أن يأمر الله بالفرج والظهور، وقد ربطت ما بينه وبين اجتماعه بعيسى ابن مريم، كما شهد بذلك الشعراني حيث قال: وهو باق إلى أن يجتمع بعيسى بن مريم.
ومنهم من اعتقد ـ بسبب عدم إمكانية خلو الأرض من الحجة ـ بلا بُدّيّة وجوده مهما امتد الزمان وطال عمره الشريف، كما أشار إليه في المصدر السابق، حيث قال: لا بد أن تستمر إمامته منذ فارق الإمام الحادي عشر الحياة وهو سنة 260 على ما بقي الزمان، إذ لا تخلو الأرض من حجة. وقد صرح النبي (ص) الكريم بأن الأئمة إثنا عشر، فلا بد من طول إمامة الثاني عشر وقد قال(ص): "بنا فتح الله وبنا يختم"(14).
* علامات الظهور
لقد أفاض العلماء في ذكر العلامات قبل ظهور المهدي(عج)، ونقتصر على ذكر أربع علامات:
1 ـ طلوع الشمس من المغرب كما جاء في العنوان الأول لليواقيت والجواهر، حيث قال فيه: إن جميع أشراط الساعة التي أخبرنا بها الشارع حق لا بد أن تقع كلها قبل قيام الساعة، وذلك... وطلوع الشمس من مغربها(15).
2 ـ السفياني
تعتبر حركة السفياني من العلامات الواضحة في عصر الظهور، وقد اتفقت كتب الفريقين على اسمه وتصادقت على طبيعة أعماله الإجرامية، ويشهد له القرطبي عن النبي (ص)، وذكر فتنة تكون بين أهل المشرق والمغرب. فبينما هم كذلك، إذ خرج عليهم السفياني من الوادي اليابس... فيقتلون أكثر من ثلاثة آلاف ويفتضون أكثر من مائة امرأة(16).
3 ـ الخسف بالبيداء:
لكثرة الفساد الذي ينشره جيش السفياني في الأرض حال تنقّله من مدينة إلى أخرى، حتى إذا خرج من المدينة قاصداً مكة المكرمة وحين يبلغ البيداء، يبعث الله جبرائيل فيخسف بهم الأرض ولم يبق من الجيش إلا اثنان. وقد ذكره العشرات من المصنفين والمؤرخين، فمن تلك الأخبار ما رواه مسلم في صحيحه عن عائشة أن رسول الله (ص) قال : "سيعوذ بهذا البيت (يعني مكة) قوم ليست لهم منعة ولا عدة، يبعث إليهم جيش حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بهم"(17).
4 ـ قيام دولة إسلامية في إيران:
من أوضح العلامات التي ذكرها العلماء في أقدم الكتب وأهمها ما نعايشه اليوم، وهو قيام دولة الحق في إيران، وأنها تقوم بدور التمهيد للثورة المهدوية، كما جاء في حديث رسول الله (ص): يخرج قوم من المشرق يوطئون للمهدي سلطانه(18).
وفي حديث ثوبان، قال: قال رسول الله (ص): إذا رأيتم الرايات السود قد أقبلت من خرسان، فأتوها حبواً على الثلج(19).
وفي الختام، يعتقد القرطبي في تذكرته أن المهدي يُبايَعُ مرة بين الركن والمقام، وقد اعتمد فيه على حديث أم سلمة وأبي هريرة، وأخرى معتمداً فيه على حديث ابن مسعود وغيره من الصحابة، حيث قال "انه يخرج في آخر الزمان من المغرب الأقصى، يمشي النصر بين يديه أربعين ميلاً، راياته بيض وصفر، فيها رقوم فيها اسم الله الأعظم مكتوب، فلا تُهزم له راية، وقيام هذه الرايات وانبعاثها من ساحل البحر بموضع يقال له ماسة من قبل المغرب، فيعقد هذه الرايات مع قوم قد أخذ الله لهم ميثاق النصر والظفر، أولئك حزب الله، ألا إن حزب الله هم المفلحون"(20).
*****
الهوامش:
(1) ورد في أربعة وعشرين مصدراً من مصادر العامة منها: مسند أحمد بن حنبل وصحيح البخاري ومسلم والحاكم النيسابوري والبيهقي وغيرها.
(2) نهج البلاغة، خطبة 151.
(3) تاريخ ابن خلدون.
(4) العبر، الحافظ الذهبي ج 2 ص 31.
(5) وفيات الأعيان، ج4، ص 176، طبعة بيروت.
(6) سنن أبي داوود، ص 107، ح 284.
(7) عقد الدرر، الشافعي، ص 33.
(5و7) علل الشرائع، الشيخ الصدوق، ج1، ص161.
(
لوائح الأنوار البهية وسواطع الأسرار، ح 2، ص 4، للسنساريني الأثري الحنبلي.
(9) أخبار الدول، ص 353، طبعة بيروت للقرماني.
(10) شرح الأخبار، القاضي النعماني المغربي، ج3، ص379.
(11) وسيلة النجاة، للعلامة المولوي الهندي، ص 418.
(12) فرائد السمطين، الجويني، ح 2، باب 16، ص 335.
(13) ينابيع المودة، ص 489، المناقب للخوارزمي.
(14) عقد الدرر، الشافعي، ص 33.
(15) اليواقيت والجواهر، ح 1، ص 1.
(16) التذكرة، القرطبي، ص 609.
(17) صحيح مسلم، ج 4، ص 221، ح 7.
(18) سنن ابن ماجة، ج2، ح 4088، مجمع الزوائد، ح 7، ص 318، كنز العمال، ج 14، ح 38657.
(19) مسند أحمد، ج 5، ح 277، مستدرك الصحيحين، ح 4، ص 502، الجامع الصغير للسيوطي، ح 461، دلائل النبوة، ج 6، ح 4511.
(20) التذكرة، القرطبي، ص 617.
من مجلة بقية الله العدد 215