لم تعد مسألة مقتل الناشطة الاميركية راشيل كوري مجرد ملف تكدس عليه الغبار في اروقة وادراج الوزارات الاسرائيلية ولجان حقوق الانسان، فقضية هذه الشابة التي وقفت امام الآليات الاسرائيلية للدفاع عن القضية الفلسطينية، اخذت حجماً كبيراً بعد ان اعادت الى الاذهان الصورة الحقيقية لمقتلها حيث قام سائق الجرافة الاسرائيلي بدهسها بدم بارد، ولفلفت السلطات الاسرائيلية الموضوع معتبرة ان تحقيقاتها اظهرت ان الامر لا يعدو كونه مجرد حادث.
واليوم، عادت راشيل كوري الى الحياة مجدداً، حيث قام ذووها برفع دعوى قضائية بحق السلطات الاسرئيلية ووزارة الدفاع متهمين الحكومة بالتعمية على الاسباب الحقيقية التي ادت الى مقتل ابنتهم من جهة، وتبرئة الجنود الاسرائيليين الضالعين في المسألة من جهة ثانية. من المؤكد ان هذه القضية لن تمر مرور الكرام لاسباب عدة اولها ان العائلة الاميركية انتقلت الى اسرائيل لمتابعة وقائع المحاكمة، مع كل ما يعنيه ذلك من اهتمام اعلامي اضافة الى الاهتمام الداخلي في اسرائيل بمثل هذه القضايا، الا ان الاهم يكمن في ان قضية راشيل كوري تأتي في خضم "تخمة" قضايا قانونية ودعاوى تواجهها اسرائيل في اكثر من بلد وفي اكثر من مجال، فمسؤولوها يخشون القيام بزيارات الى عدد من الدول خصوصاً منها الاوروبية، وتقرير غولدستون لا يزال يقلق راحة اسرائيل بعد تبنيه ودعمه من قبل الاتحاد الاوروبي، وتداعيات اغتيال محمود المبحوح في دبي لا تزال تتفاعل وتسيء الى صورة اسرائيل في الخارج، اضافة الى مسألة المستوطنات التي ما ان تجد متنفساً لها من مكان ما حتى تجد افقها مسدوداً بتدابير اسرائيلية جديدة، علماً انها هذه المرة تزامنت مع وجود نائب الرئيس الاميركي جو بايدن في اسرائيل للترويج للسلام، ما اعتبرته الصحافة والرأي العام بمثابة استهزاء به.
لذلك، لا تبدو قضية راشيل كوري خاسرة مهما كانت نتيجة الحكم، فبمجرد اعادة تسليط الاضواء على القضية، خسرت اسرائيل معنوياً الكثير من صورتها، كما انها ستخسر الكثير من تعاطف الاميركيين مع قضاياها (ولو انها لن تخسر بالطبع الدعم السياسي الرسمي)، كما انها ستطلق حملة تشكيك داخلية بما قامت به السلطات الرسمية الاسرائيلية منذ وصولها الى السلطة من ضرر بالصورة الخارجية لاسرائيل، وهو امر قد تستغله المعارضة للقيام برد فعل قوي قد يؤدي الى انتخابات مبكرة او تغيير حكومي...
الا ان رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتانياهو تمكن من التخلص من عدد من المشاكل التي واجهته منذ وصوله الى السلطة وحتى اليوم، وقد يتفادى خسارة هذه الجولة ايضاً من المتاعب، الا ان البعض يتخوف من ان يعمد الى الهروب الى الامام اذا ما وجد نفسه في الزاوية، ولو انه لن يحظى بدعم اميركي او اوروبي للقيام بمثل هذه الخطوة.