أكّد نائب الامين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم أن "اغتيال القادة الشهداء أغنى مسيرة الحزب وأثبت أن القيادة عندنا ليست في برج عاجي، إنما هي في المقدمة تدفع الثمن من نفسها وأولادها وأحبائها وراحتها ومن كل مستلزمات الحياة التي تحيط بها وهذا ما يعطي قوة لمسيرتنا"، مشيرا الى أن "الوعد الذي أطلقه سماحة السيد حسن نصر الله بالرد على عملية اغتيال القائد الشهيد الحاج عماد مغنية قائم"،
وأضاف "نحن لا نحدد المكان والزمان وإنما نعتبر أن مسؤوليتنا أن ننجز هذا الوعد بالطريقة المناسبة وفي الوقت المناسب، فالصهاينة يؤمنون بمصداقيتنا وقد لاحظنا أنهم دائماً يعيشون هذا الهاجس ويقومون بالاحتياطات المختلفة ويهددون ويتوعدون خشية أن يحصل الانتقام في وقت لا يريدونه وبنتائج لا يتحملونها، وبكل الأحوال آثار هذا الوعد موجودة عند الصهاينة وهذه خطوة مهمة، تبقى النتائج الكاملة، وهذا مرهون بالظروف والوقت وإن شاء الله تتم في اللحظة المناسبة".
الشيخ قاسم وفي مقابلة مع "الانتقاد.نت" لمناسبة أسبوع المقاومة، لفت الى أن "إسرائيل" تتمنى لو أن بإمكانها أن تخوض الحرب غدا لتنتهي من مشكلة اسمها حزب الله، لأنهم يعتقدون أن الحزب عطل مشاريعهم الاستعمارية في المنطقة وأخرجهم أذلة من لبنان، فأفقدهم قدرة الردع التي كانوا يتغنون بها"، مستبعدا فكرة الحرب في المدى المنظور، و"إن كنا كمقاومة نردد اللازمة الدائمة في أننا على جهوزية واستعداد حتى ولو كانت الحرب غداً". وأكد أن "حزب الله سيكون في الموقع الدفاعي وليس في موقع المبادر للهجوم أو افتعال الحرب، وهذه هي النظرة بالنسبة للآخرين، إيران وسوريا وحماس، مشيرا الى أن إسرائيل هي وحدها التي تقرر إذا كان هناك حرب في المنطقة أو لا.
لا خشية على المعارضة فهي متماسكة وإذا تم سحب قانون سن الاقتراع من قبل الحكومة فلن نقف متشنجين أمام هذا الأمر
وحول السجال الحاصل على صعيد تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية، رأى الشيخ قاسم أنه "لا خشية على المعارضة فهي متماسكة، ومصلحة جميع أطرافها أن تكون متماسكة، وبالتأكيد حزب الله يريدها كذلك، وهو حاضر لأن يبذل كل جهد من أجل تذليل العقبات فيما لو حصلت خاصة أن بعض القضايا قد تختلف وجهات النظر فيها بين طرف وآخر، هذا أمر طبيعي لكن من المهم أن نتفق على أغلب القضايا وما نختلف عليه نتفق على إخراجه حتى لا يكون سبباً لأي توتر سياسي، وأضاف أنه "إذا تم سحب قانون سن الاقتراع من قبل الحكومة كما يطالب بذلك التيار الوطني الحر، فلن نقف متشنجين أمام هذه الأمر، ونحن من بادر إلى توقيع هذا القانون، لكن لو افترضنا أنه من خلال القنوات المعتمدة لم يمر هذا المشروع لن نعتبره سبباً لخصومة، سنعتبر أنه مشروع كنا نتمنى أن يمر ولم يمر في هذه المرحلة، ربما يمر في مرحلة أخرى".
وتابع بالقول "أما إذا افترضنا أن المشروع طرح على التصويت في مجلس النواب ولم يكن هناك إمكانية لسحبه، بكل وضوح سنصوت مع المشروع، وربما يصوت أطراف في المعارضة ضد المشروع، سنكون واقعيين وسنتقبل الرأي الآخر كما سيتقبل الآخرون رأينا سواء نجح أو فشل المشروع".
من جهة أخرى، اعتبر نائب الامين العام لحزب الله أن "الفشل يحيط بالرئيس الامريكي باراك أوباما من كل جانب، وهو لم يستطع الوفاء بوعد واحد مما قدمه على الأقل على المستوى السياسي المرتبط بمنطقتنا. أخذنا من أوباما كلاماً معسولاً لكننا واجهنا وقائع مرة ذكرتنا ببوش وألاعيبه وإساءاته".
وهنا النصّ الكامل للمقابلة التي أجرتها "الانتقاد.نت" مع نائب الامين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم:
ـ بداية سماحة الشيخ في أجواء ذكرى أسبوع المقاومة، من أين بدأت فكرة إحياء هذا التقليد السنوي؟
استشهد الشيخ راغب حرب في 16 شباط 1984 وقررنا أن نقيم الذكرى السنوية الأولى في 16 شباط 1985 في جو احتفالي، وأعلنا في هذه الذكرى الوثيقة السياسية الأولى لحزب الله التي أطلقنا عليها "الرسالة المفتوحة" خاصة أن الحزب لم يكن لديه في أدبياته أو طروحاته السياسية رؤية متكاملة موجودة بين أيدي الناس. وبالتالي رأينا أن هذه الذكرى هي الأفضل لإعلان الانطلاقة السياسية لأننا في الفترة الأولى خلال السنوات الثلاث منذ التأسيس كنا في حالة اهتمام بالموضوع الجهادي، وكنا مقلين في البروز الإعلامي أو المقابلات السياسية أو التصدي لهذا الأمر، لكن أدركنا بشكل واضح أنه لا يمكن للمقاومة أن تستثمر عملها في تطويره ولتحقيق الفوائد المطلوبة منه إلا من خلال الحضور والظهور السياسي الذي يعبر عنه قياداته بشكل أو بآخر، وهكذا كانت الذكرى الأولى لاستشهاد الشهيد الشيخ راغب حرب عام 1985 نقطة الانطلاق لأسبوع المقاومة، وبما أن الحدث لم يكن حدثاً عادياً، وبما أن الحاجة قائمة لأن نقوم بمجموعة من الاحتفالات والندوات والأنشطة التي تبرز مناسبة الاهتمام بالمقاومة الإسلامية كان لا بد من تحديد أسبوع بدل الانحصار في يوم واحد حيث يمكن للنشاطات أن تؤدى بشكل صحيح في المناطق المختلفة ومن قبل الجهات المختلفة إذا كانت المدة أسبوعاً من الزمان. وفي الحقيقة العنوان هو عنوان الشهيد الشيخ راغب حرب، وبعد ذلك أصبح العنوان المتاخم عنوان الأمين العام السابق سماحة السيد عباس الموسوي، وحديثاً الشهيد القائد عماد مغنية (رضوان الله تعالى عليهما)، فإذا جمعنا هذين القائدين مع قيادة الشيخ راغب حرب نجد أن فكرة أسبوع المقاومة التي انطلقت في البداية كانت في محلها لتفسح المجال أمام الأنشطة المختلفة.
ـ تحول أسبوع المقاومة لأسبوع للقادة الشهداء، ما الأثر الذي تركه اغتيال القادة على مسيرة حزب الله؟
"اسرائيل" تعتقد كما يعتقد الكثيرون في العالم أن اغتيال الرمز الأول أو القائد المؤثر سيسبب حالة من الارتباك والإحباط في الجهة التي تأتمر بأوامره وهذا يضعف المسيرة، ما لاحظوه أن الأمر مع حزب الله مختلف تماماً، إذ كلما افتقد الحزب قائداً من قياداته أصبح يحمل المسؤولية بشكل أكبر ويعمل لسد الثغرة التي حصلت، وأيضاً هناك أعباء المسؤولية في حفظ هذه المسيرة، ولا بد أن نثبت للعدو أننا أكثر تطوراً وقدرة واهتماماً كلما قدمنا شهداء يعرجون إلى السماء. وبالتالي فإن من يراقب الأمر يلاحظ أن اغتيال الشهيد الشيخ راغب حرب أحدث حالة معنوية كبيرة في مسيرتنا وخاصة أن اغتيال عالم له رمزية خاصة يدل على أن هذا العالم ومعه باقي العلماء هم في الخط الأول، هم لا ينظّرون على الناس ولا يطلبون منهم ما لا يلتزمون به، وهذه تجربة مهمة. إلى أن جاء اغتيال الشهيد السيد عباس الموسوي، وهم يعلمون دور الشهيد بين الشباب ومحبة هؤلاء له والتقدم الذي أحرزه الحزب خلال هذه الفترة القصيرة التي كان فيها أميناً عاماً خاصة في المسألة الاجتماعية مع الموضوع المقاوم. ولكن الذي حصل أن الله أنعم علينا بقيادي قادر ومحبوب هو سماحة السيد حسن نصر الله (حفظه الله) وتقدم الحزب بعد ذلك تقدماً كبيراً ومؤثراً مستفيداً مما حصل ومستلهماً من دماء الشهيد السيد عباس.
أما اليوم وقد قدمنا القائد الشهيد عماد مغنية فالمؤكد والواضح عند الجميع أن شهادته تركت أعباء إضافية على الحزب، وهنا استنفر الحزب بقياداته ومسؤوليه لسد الثغرات التي ممكن أن تنشأ، وهذا دفع إلى الواجهة عدداً من القادة الذين يملأون الفراغ الحاصل، وبالتالي هناك تطور وإبداع ومزيد من الجهد واستثمار لطاقات وكفاءات تصدرت هذا الموقع، وهذا دليل إضافي على أن اغتيال أي قيادي أو مسؤول في الحزب ستكون انعكاساته إيجابية وليست سلبية، خاصة أن جميع القيادات يتوقعون أن يتم اغتيالهم وينتظرون الشهادة، فالشهادة بالنسبة إلينا ليست سبباً للنكسة وإنما سبب للعزة، كل ما في الأمر أننا نفتقد هؤلاء الشهداء لأنهم أحباء ومجاهدون وعاملون ومخلصون، لكن عملياً هذا يشكل دافعاً واستمرارية إضافية.
اغتيال القادة الشهداء أغنى المسيرة وأثبت أن القيادة عندنا ليست في برج عاجي، إنما هي في المقدمة تدفع هي الثمن من نفسها وأولادها وأحبائها وراحتها ومن كل مستلزمات الحياة التي تحيط بها وهذا ما يعطي قوة لمسيرتنا.
ـ مرت سنتان على اغتيال الشهيد القائد الحاج عماد مغنية ومنذ استشهاده كثرت السيناريوهات لدى الصهاينة عن كيفية رد حزب الله والثأر، كيف تقرأون هذا الخوف والذعر لدى الصهاينة؟ وهل ما زالت المقاومة عند وعدها؟
الصهاينة يعلمون أننا كحزب الله إذا قلنا فعلنا وإذا أطلقنا وعداً التزمنا به، والوعد أطلقه سماحة الأمين العام بالرد على عملية الاغتيال وهذا الوعد قائم، لكن نحن لا نحدد المكان والزمان، وإنما نعتبر أن مسؤوليتنا أن ننجز هذا الوعد بالطريقة المناسبة وفي الوقت المناسب. ولأن الصهاينة يؤمنون بمصداقيتنا فقد لاحظنا أنهم دائماً يعيشون هذا الهاجس ويقومون بالاحتياطات المختلفة ويهددون ويتوعدون خشية أن يحصل الانتقام في وقت لا يريدونه وبنتائج لا يتحملونها، بكل الأحوال آثار هذا الوعد موجودة عند الصهاينة، وهذه خطوة مهمة، تبقى النتائج الكاملة، وهذا مرهون بالظروف والوقت، وإن شاء الله تتم في اللحظة المناسبة.
ـ الكل على اقتناع أن هناك مواجهة حتمية بين حزب الله و"إسرائيل" ولا أحد يعرف متى، وتهديدات العدو مستمرة، ما هي قراءتكم للتهديدات الإسرائيلية المتواصلة، وهل هناك فعلاً حرب مقبلة؟
تتمنى "إسرائيل" لو أن بإمكانها أن تخوض الحرب غدا لتنتهي من مشكلة اسمها حزب الله، لأنهم يعتقدون أن الحزب عطل مشاريعهم الاستعمارية في المنطقة وأخرجهم أذلة من لبنان فأفقدهم قدرة الردع التي كانوا يتغنون بها والتي يخيفون العالم من خلالها، وبالتالي تعتقد "إسرائيل" أنه لا بد من ضربة عسكرية قاسية توجه لحزب الله، إلا أنهم بحسب معلوماتهم وبحسب الواقع الميداني يدركون أن ضرب حزب الله أمر عسير، خاصة أن تجربتهم في عدوان تموز 2006 كانت فاشلة بكل المعايير، وبالتالي كيف يمكن أن يواجهوا حزب الله الذي استفاد من تجربة 2006 وهو الآن أفضل بأضعاف مضاعفة مما كان عليه في ذاك الزمان من حيث قدرة الصمود والمواجهة، وبالتالي "إسرائيل" أمام مأزق، ففي الوقت الذي تريد ضرب حزب الله هي عاجزة عن تحقيق هذا الهدف بل يمكن أن تكون النتائج سيئة عليها كثيراً. لذا نحن نعتبر أن رغبة "إسرائيل" لا تنسجم مع الظروف الميدانية والواقع السياسي الموجود، لأن في الواقع السياسي هناك حالة إحباط تعيشها "إسرائيل"، من ناحية هي تقف في وجه التسوية وهي مشهورة أمام العالم أنها العقدة برغم كل التبريرات، وهذا يجعل "إسرائيل" محل علامة استفهام وحتى أن قيادات من دول أوروبية متعددة يطالبون "إسرائيل" بأن تحل المشكلة وبأنها هي العقدة.
ثانيا: أربكهم تقرير غولدستون وانعكاساته، وأيضاً صورة "إسرائيل" في العالم الغربي صورة سيئة جداً، وهم يضجون منها ولا يتحملون أن تزداد أكثر. أيضاً عندنا إدارة أوباما التي لا تزال مرتبكة حتى الآن، وهي لم تعالج مشكلتها لا في العراق ولا في أفغانستان ولا في المنطقة، فكيف ستدخل في مشكلة جديدة وحرب جديدة. وقد لاحظ الجميع كيف أن الأمور تسير في لبنان باتجاه ترتيب بعض الأمور، وحكومة الوحدة الوطنية، وتقف أمريكا متفرجة لأنها عجزت عن الإمساك بلبنان والسيطرة على لبنان، فقد وضعته في سلّم أولويات متأخر بانتظار أن ترى ما تحله في المنطقة.
إذاً أمام المعطيات السياسية نجد أن فكرة الحرب مستبعدة في المدى المنظور، وإن كنا كمقاومة نردد اللازمة الدائمة في أننا على جهوزية واستعداد حتى ولو كانت الحرب غداً، بغض النظر عن التقويم السياسي.
ـ في ضوء القرار الأمريكي بمضاعفة المخزون الاستراتيجي في كيان العدو، وفي الجهة المقابلة الاستعداد السوري والتطور الإيراني التكنولوجي، هل توافقون على ما صرح به وزير الخارجية السوري بأنه إذا فتحت حرب على لبنان أو سوريا ستكون حرباً شاملة؟
أجواء المنطقة اليوم متوترة جداً، ونستطيع أن نقول إنها على حافة بركان، وأصبح التداخل في قضايا المنطقة إلى درجة يصعب التفكيك بين العوامل المختلفة فيها. لو افترضنا مثلاً أن "إسرائيل" قررت ومعها أمريكا أن تخوض حرباً ضد إيران، من الطبيعي أن ترد إيران على القواعد العسكرية الأمريكية وعلى "إسرائيل" وان تتجاوز المسألة حدود الحرب بين دولتين، وبالتالي هذا سيجر المنطقة بشكل أو بآخر إلى حرب شاملة. كذلك إذا حصل اعتداء على سوريا بشكل أو بآخر، من يستطيع أن يحصر هذا الاعتداء ونتائج هذا الاعتداء، وإذا حصل اعتداء على لبنان من يستطيع أن يقول إن هذا الأمر سيبقى في دائرة ضيقة أو إنه سيتوسع.
المشكلة هي أنه إذا انطلقت الشرارة لا نعلم إلى أين تصل وماذا تشمل، خاصة أن "إسرائيل" تركز دائماً على أنها تقوم بمناورات لمواجهة احتمال المعركة مع إيران وسوريا وحزب الله وحماس في غزة. وعندما تكون هذه المناورات مبنية على هذه النية يعني أن "إسرائيل" تبيت خطوات يمكن أن تجر المنطقة إلى حرب بغضّ النظر عن رأي الأطراف في هذه المنطقة في كيفية التعاطي والمبادرة.
نحن في الواقع أمام حرب، إذا حصلت فإسرائيل هي التي ستقررها لان إيران وسوريا وحماس وحزب الله ليسوا في وارد البدء في معركة أو أن يكونوا سبباً لإشعال حرب. من الذي يمكن أن يشعل الحرب إذاً؟ "إسرائيل" التي تهدد دائماً وبنت وجودها في الأصل على الحرب والعدوان. على هذا الأساس لا احد يستطيع أن يتنبأ بما يمكن أن تكون عليه سعة الحرب إذا بدأت في المنطقة في أي مكان من أمكنتها.
أنا أفضل أن لا نتعب أنفسنا بتحليلات حجم الحرب ودائرة الحرب، لأن الاحتمالات كثيرة جداً وبحسب كل نوع من العدوان هناك رد، فإذا كان شاملاً سيكون الرد شاملاً، وإذا كان محدوداً ربما سيكون الرد أكثر من محدود، لا أعلم كيف يمكن أن تكون طبيعة العدوان الإسرائيلي. لكن أستطيع أن أؤكد أن حزب الله في الموقع الدفاعي وليس في موقع المبادر للهجوم أو افتعال الحرب، وهذه هي النظرة بالنسبة للآخرين، إيران وسوريا وحماس. وبالتالي يمكن القول إن إسرائيل هي التي تقرر إذا كان هناك حرب في المنطقة أو لا. أما الأطراف المواجهة لإسرائيل فهي في حالة دفاع وليست في حالة اتخاذ قرار الحرب.
ـ بالانتقال إلى الموضوع السياسي، بعد طرح الرئيس نبيه بري تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية شهدنا سجالاً بين رئيس مجلس النواب نبيه بري والنائب العماد ميشال عون، هذا الخلاف اشتد أكثر مع طرح موضوع خفض سن الاقتراع، إلى أي مدى هذا الأمر يهدد وحدة المعارضة وما الدور الذي يلعبه حزب الله اليوم؟
حصل التباس في التنسيق في مسألة الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية أو في موضوع سن الاقتراع، حيث أدى هذا الالتباس إلى تباين في طريقة التعاطي مع هذين الموضوعين من قبل الرئيس بري من ناحية والعماد عون. ولو كان هناك تنسيق أدقّ، لكنا تجاوزنا هذه الهنّات التي صدرت في وسائل الإعلام، والحمد لله لأن النوايا الطيبة ولأن المعارضة متفقة على القواعد الأساسية ومصممة على أن تبقى متماسكة، فقد عقد اجتماع تنسيقي ضم المعاون السياسي للأمين العام (الحاج حسين الخليل) والمعاون السياسي للرئيس بري (النائب علي حسن خليل) والوزير جبران باسيل ممثلاً العماد عون، وطرحت كل القضايا التي كانت محل إشكال إعلامي وسياسي وتم الاتفاق على المعالجة والعودة إلى النقاش بشكل مباشر وسحب المسألة من الإعلام، وهذا ما حصل، ونحن رأينا في الأيام التي مرت كيف كان التنسيق قائماً بشكل فعال، وقد ذهب الوزير باسيل إلى الرئيس بري للتنسيق في بعض الأمور، وعليه لا خشية على المعارضة فهي متماسكة ومصلحة جميع أطرافها أن تكون متماسكة، وبالتأكيد حزب الله يريدها كذلك، وهو حاضر لأن يبذل كل جهد من أجل تذليل العقبات فيما لو حصلت خاصة أن بعض القضايا قد تختلف وجهات النظر فيها بين طرف وآخر، هذا أمر طبيعي لكن من المهم أن نتفق على أغلب القضايا وما نختلف عليه نتفق على إخراجه حتى لا يكون سبباً لأي توتر سياسي، ويمكن أن نشهد في المستقبل مجموعة من الأطروحات التي تتباين فيها آراء أطراف المعارضة، لكن بحب ورضى على قاعدة أنها لا تشكل المفصل الاستراتيجي حتى يكون هو القاعدة للاتفاق وإنما خلاف في وجهات النظر نقبله بحدود معينة.
ـ ما هو المخرج المتوقع للخلاف الحاصل حول خفض سن الاقتراع؟
إذا تم سحب قانون سن الاقتراع من قبل الحكومة كما يطالب بذلك التيار الوطني الحر، وقد وضع الوزير جبران باسيل هذه النقطة على جدول أعمال مجلس الوزراء، فلن نقف متشنجين أمام هذا الأمر، نحن واضحون، نحن من بادر إلى توقيع هذا القانون ونحن من بادر إلى الإعلان عن تمسكنا بسن 18، لكن لو افترضنا أنه من خلال القنوات المعتمدة لم يمر هذا المشروع لن نعتبره سبباً لخصومة، سنعتبر أنه مشروع كنا نتمنى أن يمر ولم يمر في هذه المرحلة، ربما يمر في مرحلة أخرى.
أما إذا افترضنا أن المشروع طرح على التصويت في مجلس النواب ولم يكن هناك إمكانية لسحبه، بكل وضوح سنصوت مع المشروع وربما يصوت أطراف في المعارضة ضد المشروع، سنكون واقعيين وسنتقبل الرأي الآخر كما سيتقبل الآخرون رأينا سواء نجح أو فشل المشروع. هذا نموذج من نماذج احتمال الاختلاف من دون أن يؤدي إلى مشكلة داخل المعارضة، ونحن تحاورنا داخلياً حول الموضوع واتفقنا انه لو وصلنا الى مرحلة سيظهر فيها التباين هذا لن يؤدي إلى مشكلة داخل المعارضة، وإن كنا نتمنى أن تنتهي الأمور إلى أمر لا يضعنا في محل التصويت والتصويت المضاد.
ـ تطرقتم قبل قليل الى الإدارة الأمريكية ووصفتموها بالمرتبكة، بعد مرور سنة على حكم الرئيس الأمريكي باراك أوباما كيف تقوّمون أداءه خلال هذا العام؟
أعجز عن أن أبحث لأوباما عن نقطة إيجابية قام بها خلال سنة من حكمه، وأرى أن الفشل يحيط به من كل جانب،وهو لم يستطع الوفاء بوعد واحد مما قدمه على الأقل على المستوى السياسي المرتبط بمنطقتنا. أخذنا من أوباما كلاماً معسولاً لكننا واجهنا وقائع مرة ذكرتنا ببوش وألاعيبه وإساءاته.
فإذا نظرنا إلى ما حصل في فلسطين، نجد أن الإدارة الأمريكية الحالية تغطي كل أعمال الإجرام الإسرائيلية والحصار على غزة واستمرار بناء المستوطنات وتعطيل حياة الفلسطينيين، وهذا في الوقت الذي تعطي فيه الإدارة الأمريكية المزيد من التسليح والتدريب والمساندة السياسية لـ"إسرائيل" على مستوى مجلس الأمن وحمايتها من تقرير غولدستون وكل الأعمال التي تريح "إسرائيل" في واقعها الدولي والإقليمي في آن معاً.
هذا موقف منحاز ويدل على أن إدارة أوباما غير جدية في إيجاد حل عادل، وقد اعترف أوباما بنفسه أنه أعطى جرعات من الأمل لم تكن في محلها. وفي الواقع كان يحاول أن يمارس ضغوطات على العرب تحت عنوان أنهم لو كانوا شجعانا لقاموا بالتطبيع من دون ثمن. هذا لا يستطيعه الحكام العرب وهذا ما أثبتته التجربة.
إذاً أين نجح اوباما وهو الذي أرسل 30 ألف جندي الى أفغانستان، هذا تصعيد للموقف، أو ماذا فعل في العراق؟ لا يزال محتلا ويدفع العراق ثمن هذا الاحتلال وطريقة أدائه. ماذا حقق على مستوى المنطقة؟ هو يعزز التسابق في التسلح ويرعى إيجاد مشكلة بين دول المنطقة. أو في مسألة إيران. كان يمكن أن يتم الاتفاق مع إيران بكل سهولة على تبادل اليورانيوم للتخصيب السلمي وبإشراف وكالة الطاقة الدولية. لماذا يريدون أن يرغموا إيران على أن تكون ذليلة وعلى أن لا تسلك في مسلك الطاقة النووية بشكل طبيعي. هذا كله دليل إخفاق من قبل إدارة اوباما. نحن لا نأمل شيئاً طالما أن السياسة هي في هذا الاتجاه، وطالما أن أمريكا تفكر أن تبسط يدها بالقوة على العالم وأن لا تراعي مشاعر وحاجات ومتطلبات أبناء المنطقة ولا العدالة التي يجب أن تسود فيها.
ـ ما هو موقف حزب الله من الانتخابات البلدية، هل هو مع تأجيلها أو إجرائها في موعدها؟
ما زلنا نناقش من خلال مجلس الوزراء اقتراحات الوزير زياد بارود، ونفضل أن نتريث لنرى الجو العام الموجود في مجلس الوزراء بالنسبة للانتخابات البلدية، ليس لدينا أي مانع أن تجري في وقتها كما ليس لدينا أي مانع إذا توافق الأطراف على مقدار من التأجيل يتناسب مع أدائها بشكل صحيح من دون توتر في داخل البلد. بمعنى آخر حزب الله ليس مربكاً في التوقيت، لا إذا كان في الوقت المخصص ولا إذا تأخر عن هذا الوقت فيما لو كان هناك مصلحة يراها الأطراف المشاركون.
ـ كيف قرأتم بيان البريستول، وهل سيشارك حزب الله في ذكرى اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في 14 شباط المقبل؟
أنا أفضل أن لا نعطي الأمور تفسيرات مغالى فيها، ما حصل في البريستول هو لقاء لإحياء ذكرى اغتيال الرئيس الحريري في 14 شباط من قبل فئة ترى من حقها أن تحيي هذه الذكرى بهذه الطريقة، وهم أحرار في ما يقررون، وبالتالي لا يمكن طرح سؤال إذا كنا سنحضر أو لا. لأن طريقة الإحياء مطلوبة بحسب لقاء البريستول بشكل خاص، فلماذا نحشر أنفنا في أمر قد يسبب مشكلة لهم أو مشكلة لنا.
فلنترك الأمر بشكل طبيعي، وليحيوا هذه الذكرى كما يحبون، وبالتالي قد تتغير الظروف في المستقبل فتكون هناك آليات مختلفة للإحياء، وعندها لا نتنافس على أمر لا يفترض أن يسبب مشكلة مع فقد إنسان يفترض أن تحيا ذكراه من دون تعقيدات كما هي عادة إحياء الذكريات الكبرى والصغرى من قبل أهل الفقيد أو من قبل الناس الذين يرغبون في إحياء ذكراه.
ـ كيف تصفون العلاقة اليوم مع تيار المستقبل؟
الأجواء أفضل مما سبق، واللقاءات مع الرئيس الحريري مكثفة للتنسيق في الشؤون الحكومية وشؤون البلد، وهذا ينعكس إيجاباً على العلاقة مع تيار المستقبل، لكن طبعاً لا توجد خطوات عملية بين الحزب وتيار المستقبل بشكل مباشر، لكن الأجواء ألطف من السابق وأكثر مرونة، ونحن لا نمانع في تعزيز التواصل والتنسيق في بعض الأمور لمزيد من إراحة الساحة، إلا أن العلاقة بيننا وبين تيار المستقبل هي علاقة عادية وغير متشنجة ومتوترة، وفي آن معاً ليست متقدمة جداً، لكن بالإمكان أن تكون أفضل أيضاً، ونحن حاضرون لذلك.
ـ كيف تقوّمون العلاقة مع الحزب التقدمي الاشتراكي، وأين وصلت جهود حزب الله لتسهيل زيارة النائب جنبلاط الى سوريا؟
علاقة حزب الله مع الحزب التقدمي الاشتراكي تتقدم بخطى سريعة، وهناك تنسيق في عدد من المجالات، والحمد لله يمكن القول إننا أقفلنا آخر أبواب التشنج والتوتر في لقاء الشويفات، وبالتالي هناك دائماً تواصل وتعاون في الملفات التي تحتاج الى تعاون.
أما زيارة السيد جنبلاط لسوريا فهذا له مساره، وعندما تنضج الظروف بشكل كاف تحصل الزيارة وتتم. أنا أفضل أن لا يتم تداولها كثيراً في الإعلام حتى لا يتم الإساءة لأحد، فقد ناقش الإعلام كثيراً في ظروف الزيارة وشروطها وتوقيتها إلى درجة أصبحت محرجة للأطراف المعنية. وبالتالي الكل يعلم أن حزب الله مهتم بإقفال كل الملفات العالقة، وبتسهيل الأمور للمزيد من المصالحات، ونأمل أن تكون الزيارة للسيد جنبلاط إلى سوريا قريباً.
ـ في الختام، كيف تقرأون تجربة المقاومة الإسلامية في الحياة السياسية اللبنانية؟
المقاومة أعطت تجربة مشرقة جداً في العمل الجهادي وأيضاً حاولت أن تعطي تجربة مشرقة في العمل السياسي، لكن لا يخفى أن العمل السياسي في لبنان يختلف تماماً عن العمل الجهادي ومواجهة "إسرائيل"، بل يمكن أن أقول إن نجاحاً في العمل السياسي يعادله خمسون أو مئة نجاح في العمل الجهادي، والسبب أنه في العمل الجهادي لا يوجد جبنة للتقاسم، وإنما يوجد تضحية، ونحن أهل التضحية. أما في العمل السياسي فهناك مصالح ومكاسب وتداخل في المسألة الطائفية والمناطقية والشخصية، وتعقيدات كثيرة يصعب تجاوزها، خاصة أن البنيان هو بنيان للجميع، لا يستطيع أحد أن ينطلق وحده، لا بد أن يعمل مع الآخرين. فإذا كانت هناك رموز أو شخصيات أو جهات لا تعمل بشكل صحيح وتضع عراقيل وتعقيدات فسنصاب بهذه التعقيدات كما سيصاب الناس. ولذا نعمل في العمل السياسي بأقصى ما يمكن من تقديم النموذج، ويصعب أن نرى انجازات مهمة أو كبيرة أو سريعة لأن عجلة لبنان ثقيلة وفيها عقبات كثيرة. مع ذلك قدمنا تجربة في الانتخابات النيابية وقبلنا بنتائجها وهذه علامة فارقة، وقدمنا تجربة في العمل الوزاري من خلال نموذج وزرائنا ونظافة الكف وكيفية الأداء. وأيضاً قدمنا تجربة بالعمل النيابي من خلال السعي لمصالح الناس حتى إن الجميع يشهد أن كتلتنا هي الكتلة الأولى التي تناقش القوانين واقتراحاتها ومشاريعها، وتتابع هذه الشؤون، لكن يبقى أمام تعقيدات وضع البلد ستكون دائماً الإنجازات أقل من الطموح.