تبرّأ «حزب الله» في العلن من صلاح عزّ الدين، الملياردير الذي أعلن إفلاسه قبل أسابيع في بيروت، تاركاً وراءه عشرات آلاف المتضررين، والأكثرية الساحقة منهم من اللبنانيين الشيعة، وغالبيتهم من أهل الجنوب ومن سكان الضاحية الجنوبية لبيروت، وجزء قليل منهم من أهل البقاع الشيعي.
وبدا هذا التبرّؤ «مقنعاً» لمن هم «خارج» جمهور «حزب الله» وبيئته الاجتماعية والاقتصادية والمالية، لكنّه ما زال يملأ صالونات الضاحية والجنوب وبعض البقاع، وخصوصاً في ظلّ أحاديث مسؤولين في الحزب عن «الأضرار الجسيمة» التي تكبّدها جرّاء إفلاس عز الدين. وهي أضرار يصفها مطّلعون، ومن دون مبالغة، بأنّها أكثر قسوة وحجماً من «أضرار حرب يوليو 2006». وليس في هذا مبالغة صحافية، بل إنّ أكثر من مطّلع يصف حالة الحزب هذه الأيام بـ «الصعبة».
وهذا ما يوافق عليه عزّ الدين نفسه، الذي يقول لزواره وناقلي أخباره من السجن إلى عائلته، إنّه نادم جدا، بل «شديد الندم»، وإنّ ما يؤلمه أكثر من غيره هو حجم الثقة التي أعطاه إيّاها المستثمرون والأقارب والأهل، وان أكثر ما يؤلمه على الإطلاق هو أنّه «أضرّ المقاومة أكثر مما فعل العدوّ الإسرائيلي في تاريخه».
ويصر عزّ الدين، من سجنه، على أنّه لم يسرق، ولم يتقصّد الأذى، وأنّه نادم، ويردّد هذه الكلمة كثيرا أمام زوّاره. ويقول إنّه عانى الكثير في الاعوام الأخيرة في أعماله المالية ومشاريعه، وإنّه راهن خلال العام الماضي على «شيء ما»، لكنّ هذا «الشيء» فشل. من دون أن يوضح إذا ما كان هذا الشيء مشروعاً أو شخصاً أو مؤسسة أو أيّ شيء آخر.
ويعترف عزّ الدين بأنّه أخطأ، في حقّ الناس والمقاومة وفي حقّ نفسه بالدرجة الأولى، ويقول إنّه لو كان يعرف أنّ هذا ما سيحصل لتصرّف بشكل آخر. ويصرّ على أنّه لم يكن مرّة مؤذياً، عمداً، وأنّه اضطر إلى الكذب على المستثمرين العام الماضي فقط، لأنّه تعثّر كثيراً جداً، وكانت العثرات تلاحقه من مشروع إلى آخر ومن بلد إلى آخر: «الله ما كان عم يوفّقني».
وبعد إعلان إفلاسه، تفاجأت عائلة عزّ الدين بأنّه متزوج سرّا من امرأة أخرى، من قريته معروب، غير زوجته الأولى، التي تكون ابنة أخت رئيس المجلس التنفيذي في «حزب الله»، هاشم صفيّ الدين.
والزواج الثاني عمره أعوام قليلة، غير محددة حتى الآن. لكن حتى أقرباؤه المقربون لا يعرفون عن هذا الزواج شيئا. كذلك لا تعرف زوجته الأولى، بالطبع. وهو واحد من أسرار كثيرة كانت تملأ حياته. فإلى جانب هذا الزواج السرّي، فإنّ عزّ الدين كان يحيط نفسه بهالة كبيرة من الأسرار. ولم يكن يثق بأحد، على ما كان يعلن جهارا، لذا لم يكن يسلّم حساباته الخاصة والحسّاسة إلى أحد من المحاسبين القلائل الذين تعاونوا معه. بل كان يقوم بالحسابات بنفسه، على الورقة والقلم، ومن دون مساعدة محترفة.
بعد إعلان الإفلاس، قرّر «حزب الله» تشكيل لجنة لإدارة الأزمة، في خطوة قرأها كثيرون على انها تعكس علاقة ما لقيادات من «حزب الله» بهذه الأزمة، من خلال إيداعهم أموالهم الخاصة وأموالاً للحزب مع عز الدين.
ومهمة هذه اللجنة جمع كل ما يمكن من معلومات وبيانات عن أملاك عزّ الدين المنقولة وغير المنقولة، وعن المستثمرين المتضررين، الذين قدّروا بنحو 11 ألفا.و خصوصا بعدما اتضح ان اكثر من مجموعة من المستثمرين كانت تضع اموالها باسم احد افرادها. وبالتالي فان مستثمرا واحدا يختصر في هذه الحالة عددا من المستثمرين.
وقد بدأ تصنيف المستثمرين بحسب درجة الضرر المالي والاجتماعي التي تعرّض لها هذا المستثمر أو ذاك. والأفضلية في استعادة الأموال ستكون لمن هو أكثر فقرا وأشدّ حاجة، تداركا لمآس يمكن أن تصيب بعض العائلات التي «على قدّها».
وستعمل هذه اللجنة أيضا على إحصاء ما استعاده المودعون من أصوال الأموال التي دفعوها، أي على إحصاء «الأرباح» التي حصل عليها المستثمرون، لإحصاء «الخسارة الحقيقية».
فمن دفع مليون دولار وحصل على نصف مليون دولار من الفوائد، فهذا لا يمكن أن يطلب النصف الثاني. الأفضلية ستكون لمن دفع مئة ألف وحصل على عشرين ألفا، أو حتى على خمسين ألفا، لأنّه سيكون أكثر حاجة.
ومن مهمات «اللجنة الإنقاذية» أيضاً استرداد كلّ ما تبرّع به عزّ الدين في السنوات الأخيرة لمؤسسات خيرية واجتماعية. وتقدّر هذه التبرعات بملايين الدولارات. وهي، بحسب المطّلعين، قادرة على سدّ رمق من جاعوا بعد إفلاسه، بانتظار «الآتي».
الرأي