ذكرى استشهاد الإمام الجواد صلوات الله عليه‏

آخر ذي القعدة ذكرى استشهاد الإمام الجواد صلوات الله عليه المصادف 8 تشرين الثاني 2010 والله أعلم




نتقدم من صاحب العصر والزمان بقية الله الأعظم الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف ومن مراجعنا العظام دام ظلهم الوارف ومن شيعة أهل البيت عليهم السلام بأسمى آيات العزاء بمناسبة ذكرى شهادة الإمام محمد الجواد صلوات الله عليه







شهادة الإمام الجواد صلوات الله عليه




استدعاء المعتصم العباسي الإمامَ (صلوات الله عليه) :

بويع الخليفة العباسي المعتصم سنة ( 218 هـ ) ، وما أن استَتَبَّ له أمر الملك ، وانقادت له البلاد شرقاً وغرباً ، حتى أخذ يتناهى إلى سمعه بروز نجم الإمام الجواد ( صلوات الله عليه ) ، واستقطابه لجماهير الأمّة ، وأخذه بزمام المبادرة شيئاً فشيئاً .

وتتسارع التقارير إلى الحاكم الجديد بتحرك الإمام أبي جعفر ( عليه السلام ) وسط الأمّة الإسلامية .

وعلى أساس ذلك قَرَّر المعتصم العباسي - وبمشورة مستشاريه ووزرائه ، ومنهم قاضي القضاة ابن أبي دؤاد الإيادي ، المعروف ببغضه لأهل البيت ( صلوات الله عليهم ) والذي كان يسيطر على المعتصم ، وقراراته وسياسته - أن يبعث بكتاب إلى واليه على المدينة المنورة ، محمد بن عبد الملك الزيَّات ، في عام ( 219 هـ ) ، بحمل الإمام الجواد ( صلوات الله عليه ) ، وزوجته أم الفضل ، بِكُلِّ إكرام وإجلال ، وعلى أحسن مركب إلى ( بغداد ) .

فلم يكن بُدّ للإمام ( صلوات الله عليه ) من الاستجابة لهذا الاستدعاء ، الذي يُشَمُّ منه الإجبار والإكراه .

وقد أحسَّ الإمام ( عليه السلام ) بأنَّ رحلته هذه هي الأخيرة ، التي لا عودة بعدها .

لذلك فقد خَلَّف ابنه أبا الحسن الثالث ، وهو الإمام الهادي ( صلوات الله عليه ) في ( المدينة ) ، بعد أن اصطحبه معه إلى ( مَكَّة ) لأداء مراسم الحجّ .

وأوصى له بِوَصاياه ، وسَلَّمه مواريث الإمامة ، وأشهد أصحابه بأنَّه ( عليه السلام ) إمامهم من بعده .

وتستمر الاستعدادات لترحيل الإمام ( صلوات الله عليه ) إلى بغداد ، ويَستمْهِلهُم الإمام ( عليه السلام ) لحين إنتهاء الموسم .

وفعلاً ، يؤدي الإمام الجواد ( عليه السلام ) مراسم الحج ، ويترك ( مَكَّة ) فور أداء المناسك معرجاً على مدينة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، لِيُخلِّف ( صلوات الله عليه) فيها ابنه الوصي الوريث .



رحيل الإمام (صلوات الله عليه) :

يبدو أن الإمام الجواد (صلوات الله عليه) خرج من ( المدينة ) مُتَّجهاً إلى ( بغداد ) غير زائرٍ جَدَّه المصطفى ( صلى الله عليه وآله ) ، وكأنَّه ( صلوات الله عليه) أراد بهذه العملية التعبير عن احتجاجه على هذا الاستدعاء ، وأن خروجه من مدينة جَدِّه ( صلى الله عليه وآله ) إنّما هو مكره عليه .

ويواصل الإمام ( عليه السلام ) رحلته إلى المصير المحتوم ، وقد أخبر أحد أصحابه بأنه غير عائدٍ من رحلته هذه مَرَّة أخرى .

فروى محمد بن القاسم ، عن أبيه : لمَّا خرج - الإمام الجواد (صلوات الله عليه) - من ( المدينة ) في المرة الأخيرة ، قال ( عليه السلام ) : ( مَا أطْيَبكِ يا طيْبَة !! فَلَسْتُ بِعَائدٍ إِليكِ ) .

وبُعَيد هذا فقد أخبر الإمام (صلوات الله عليه) أصحابه في السنة التي تُوفِّي فيها بأنه ( صلوات الله عليه ) راحل عنهم هذا العام .

فعن محمد بن الفرج الرخجي ، قال : كتب إليَّ أبو جعفر ( عليه السلام ) قائلاً : ( اِحملوا إليَّ الخُمْس ، فإنِّي لستُ آخذه منكم سوى عامي هذا ) .






وصول الإمام ( عليه السلام ) :

وأخيراً ينتهي به ( عليه السلام ) المسير إلى ( بغداد ) ، عاصمة الدولة العباسية ، مَقَرُّه ( صلوات الله عليه) ، ومثواه الأخير الأبدي ، ودخلها لليلتين بَقِيَتا من المحرم سنة ( 220 هـ ) .

وما أن وصل ( عليه السلام ) إليها ، وحطَّ فيها رحاله ، حتى أخذ المعتصم يدبِّر ويعمل الحيلة في قتل الإمام ( صلوات الله عليه ) بشكل سرِّي ، ولذلك فقد شكَّل مُثلَّثاً لتدبير عملية الاغتيال بكلِّ هدوء .

مُثلَّث الاغتيال :

على الرغم من تعدد الروايات في كيفية شهادة الإمام الجواد ( صلوات الله عليه) ، إلا أنَّ أغلبها تُجمِع على أن الإمام ( عليه السلام ) اغتيل مسموماً .

وأنَّ مثلث الاغتيال قد تمثَّل في زوجته زينب المُكنَّاة بـ( أم الفضل ) ، وهي بنت المأمون .

وهي المباشر الأول التي قَدَّمت للإمام عنباً مسموماً ، وتمثَّل أيضاً في أخيها جعفر ، والمدبر والمساعد لهم على هذا الأمر هو المعتصم بن هارون .

فقال جعفر لأخته أم الفضل - وكانت لأمّه وأبيه - في ذلك ، لأنه وقف على انحرافها عنه ، وغِيرتها عليه ، لتفضيله أم أبي الحسن ابنه عليها ، ولأنها لم تُرزَق منه ولد ، فأجابت أخاها جعفراً .








شهادة الإمام الجواد صلوات الله عليه



رُوِي أنَّ مثلث الاغتيال ( المعتصم ، وجعفر ، وأم الفضل ) ، كانوا قد تشاوَرُوا وتعاونوا على قتل الإمام ( عليه السلام ) ، والتخلّص منه بعد قدومه إلى ( بغداد ) ، بل ما استُدعِي ( صلوات الله عليه ) إلاَّ لهذا الغَرَض .

وفي ذلك يقول المؤرخ علي بن الحسين المسعودي : ( وجعلوا - المعتصم بن هارون ، وجعفر بن المأمون ، وأخته أم الفضل - سُمّاً في شيء من عنب رازقي ، فلمَّا أكلَ ( عليه السلام ) منه بكت .

فقال ( عليه السلام ) لها : ( مَا بُكَاؤك ؟!! ، والله لَيَضربنَّكِ اللهُ بِفَقر لا يَنجَبِر ، وبَلاء لا يَنْسَتِر ) .

فَبُليت بِعِلَّة في أغمض المواضع من جوارحها ، وصارت ناسوراً ينتقض عليها في كلِّ وقت .

فأنْفَقَت مالها ، وجميع ملكها على تلك العِلَّة ، حتى احتاجت إلى رفد الناس .

وتردَّى جعفر في بئر فَأُخرِج ميتاً ، وكانَ سكراناً .

ولما حضرت الإمام (صلوات الله عليه) الوفاة ، بعد أن سرى السُّمَّ في بدنه الشريف ، نص على أبي الحسن الهادي ( عليه السلام ) ، وأوصى إليه .

وكانت شهادته ( صلوات الله عليه ) في آخر ذي القعدة 220 هـ .

وحُفِر للجثمان المقدَّس قبرٌ ملاصقٌ لقبر جدِّه الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ، في مقبرة قريش بـ( بغداد ) ، فَوَارَوهُ ( عليه السلام ) فيه .

وانطفأت بشهادته ( صلوات الله عليه ) شُعلَة مشرقة ، من الإمامة والقيادة الواعية ، المفكرة في الإسلام .




فالسلام عليك أيّها الامام المظلوم يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حيا