تنزيه النبي محمد صلى الله عليه وآله

1- قال تعالى : (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى). الضحى: 7

قيل أنها تعني الضلال عن الدين .
نقول أن هذا لا يجوز قبل النبوة و لا بعدها, وفي ذلك وجوه منها:
1 – أنه أراد الضلال عن النبوة و شريعة الإسلام و بإرشاده إليها أعظم النعم و بذا يكون الكلام خارجا مخرج الإمتنان و التذكير بالنعم.
2- أنه أراد الضلال بين مكة و المدينة عند الهجرة فهداه وسلمه من أعدائه.
3- أراد مضلول عنه في قوم لايعرفون حقه فهداهم لمعرفته, وهذا له نظير في اللغة يقال: فلان ضال في قومه و بين أهله إذا كان مضلولا عنه.
و في تفسير البرهان، عن ابن بابويه بإسناده عن ابن الجهم عن الرضا (عليه السلام) في مجلس المأمون قال: قال الله تعالى لنبيه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم..«ووجدك ضالا» يعني عند قومك «فهدى» أي هداهم إلى معرفتك..


2- قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ). الحج: 52

قيل أنها نزلت لأن الرسول لما شق عليه ما بينه و بين قومه من المباعدة تمنى أن ينزل الله عليه ما يقرب بينه و بينهم فلما أنزل الله عليه (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى) وتلاها ألقى الشيطان على لسانه كلاما يمدح به آلهة قريش لما تمكن في نفسه محبة مقاربتهم فأتاه جبريل معاتبا و أنزل الله عليه هذه الآية معزيا و مسليا له.
نقول أن ظاهر الآية يقتضي أحد أمرين: فإما أنه يريد بالتمني تمني القلب, أو يريد بالتمني التلاوة. فإذا أراد تمني القلب فللآية معنيين أما المعنى الأول فهو: و ما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته و داخل فيها بوسوسة الناس و إغراء المفسدين ليفسد الأمر على ذلك الرسول أوالنبي وأبطل سعيه فينسخ الله و يزيل ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته بإنجاح سعي الرسول أوالنبي و إظهار الحق.
والمعنى الثاني: أن الرسول أوالنبي إذا تمنى يوسوس له الشيطان بالباطل فينسخ الله ذلك و يبطله بما يرشده إلى مخالفة الشيطان و عصيانه.
أما إذا كان المراد بالتمني القراءة و التلاوة فأيضا للآية معنيين , المعنى الأول: و ما أرسلنا من قبلك من رسول و لا نبي إلا إذا تلا آيات الله ألقى الشيطان شبها مضلة على الناس بالوسوسة ليجادلوه بها و يفسدوا على المؤمنين إيمانهم فيبطل الله ما يلقيه الشيطان من الشبه و يذهب به بتوفيق النبي لرده أو بإنزال ما يرده.
و المعنى الثاني: أن النبي إذا تلى ما أنزل الله عليه إلى قومه حرفوا عليه فيزيل الله ذلك ويدحضه بظهور حجته وعلى هذا الوجه فقد جاءت الآية تسلية للرسول لما كذب المشركون عليه و أضافوا إلى تلاوة مدح آلهتهم مالم يكن فيها.

اللهم صل على محمد وآل محمد

موفقة حبيبتي
بارك الله فيك

زينب, عمق البحار
مشكورات حبيباتي على طيب مروركم
موفقين لكل خير إن شاء الله

3- قال تعالى : (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا). الأحزاب : 37
قيل أن الغرض من الآية هو معاتبة الله له على ما أخفاه من حبه لزينب بنت جحش وهي بعد مزوجة و اعتذروا عنه بأنها حالة لا يكاد يسلم منها البشر.
نقول أنه لو كان المراد ما ذكر فهنا لا معنى للعتاب على كتمانه فلا مجوز في الإسلام لذكر حلائل الناس و التشبب بهن. ولكن هنا العتاب ردع عن نوع من خشية الله و هي خشيته عن طريق الناس و هداية إلى آخر من خشيته تعالى و أنه كان من الحري أن يخشى الله دون الناس و لا يخفي ما في نفسه ما الله مبديه وفي الآية 39: «الذين يبلغون رسالات الله و لا يخشون أحدا إلا الله» دليل على أن خشيته (صلى الله عليه وآله وسلم) الناس لم تكن خشية على نفسه بل كان خشية في الله فأخفى في نفسه ما أخفاه استشعارا منه أنه لو أظهره عابه الناس و طعن فيه بعض من في قلبه مرض فأثر ذلك أثرا سيئا في إيمان العامة، و هذا الخوف ليس مذموما بل خوف في الله و منه.
و في العيون،: في باب مجلس الرضا (عليه السلام) عند المأمون مع أصحاب الملل في حديث يجيب فيه عن مسألة علي بن الجهم في عصمة الأنبياء:. قال: و أما محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) و قول الله عز و جل: «و تخفي في نفسك ما الله مبديه - و تخشى الناس و الله أحق أن تخشاه» فإن الله عز و جل عرف نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) أسماء أزواجه في دار الدنيا و أسماء أزواجه في الآخرة و أنهن أمهات المؤمنين و أحد من سمي له زينب بنت جحش و هي يومئذ تحت زيد بن حارثة فأخفى (صلى الله عليه وآله وسلم) اسمها في نفسه و لم يبده لكيلا يقول أحد من المنافقين: أنه قال في امرأة في بيت رجل: إنها أحد أزواجه من أمهات المؤمنين و خشي قول المنافقين. قال الله عز و جل: «و تخشى الناس و الله أحق أن تخشاه» يعني في نفسك الحديث.

4- قال تعالى : (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) الأنفال: 67
قيل أن العتاب موجه للنبي على استبقاءه للأسرى وأخذ عرض الدنيا عوضا عن قتلهم و قد اختلف المفسرون في كون العتاب موجه إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و المؤمنين جميعا ، أو إلى المؤمنين دون النبي تفسير الآيات بعد اتفاقهم على أنها إنما نزلت بعد وقعة بدر تعاتب أهل بدر و تبيح لهم الغنائم.
نقول أنه لا شك أن المعاتب سواه فالله قد أمر نبيه أن يأمر أصحابه بأن يثخنوا في قتل أعدائهم بقوله: (فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ) لكنهم خالفوه و أسروا يوم بدر جماعة من المشركين طمعا في الفداء فأنكر الله ذلك عليهم وإنما نسب الأسرى إليه لأنهم في يده و مضافون إليه وليس في الآية ما يشعر بأنه استشارهم فيه أو رضي بذلك و لم يرد في شيء من الآثار أنه) وصاهم بأخذ الأسرى و لا قال قولا يشعر بالرضا بذلك بل كان ذلك مما أقدمت عليه عامة المهاجرين و الأنصار على قاعدتهم في الحروب .


دعواتكم..

الله يبارك فيك حبيبتي
أسعدني مرورك من جد.. ما تحرمينا منه
موفقة لكل خير..
دعواتك..

عذرا ع التأخير..


5- قال تعالى: (عَفَا اللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ). التوبة : 43
قيل أن فيها عتاب للرسول و أن العفو لا يكون إلا عن الذنب.
نقول أما قوله ( عفا الله عنك) فمقصود به التعظيم والملاطفة في الخطاب, كما يقول أحدنا لغيره إذا خاطبه: أرأيت رحمك الله غفر الله لك, أما قوله (لم أذنت لهم) فالمراد بالكلام إظهار هذه الدعوى لا الكشف عن تقصير النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و سوء تدبيره في إحياء أمر الله، و ارتكابه بذلك ذنبا - حاشاه - و أولوية عدم الإذن لهم معناها كون عدم الإذن أنسب لظهور فضيحتهم و أنهم أحق بذلك لما بهم من سوء السريرة و فساد النية لا لأنه كان أولى و أحرى في نفسه و أقرب و أمس بمصلحة الدين.
6- قال تعالى: (ليَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا). الفتح: 2
قيل أن لها معنى صريح في أن الرسول له ذنوب و إن كانت مغفورة.
نقول أنه ليس المراد بالذنب في الآية هو الذنب المعروف و هو مخالفة التكليف، و لا المراد بالمغفرة معناها المعروف و هو ترك العقاب على المخالفة المذكورة فالذنب في اللغة هو العمل الذي له تبعة سيئة كيفما كان، و المغفرة هي الستر على الشيء. و في العيون، في مجلس الرضا مع المأمون بإسناده إلى ابن الجهم قال: حضرت مجلس المأمون و عنده الرضا (عليه السلام) فقال المأمون: يا ابن رسول الله أليس من قولك إن الأنبياء معصومون؟ قال: بلى، إلى أن قال قال: فأخبرني عن قول الله عز و جل: «ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك و ما تأخر». قال الرضا (عليه السلام): لم يكن أحد عند مشركي مكة أعظم ذنبا من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأنهم كانوا يعبدون من دون الله ثلاثمائة و ستين صنما فلما جاءهم بالدعوة إلى كلمة الإخلاص كبر ذلك عليهم و عظم... فلما فتح الله على نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) مكة قال: يا محمد إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك و ما تأخر عند مشركي مكة بدعائك إلى توحيد الله فيما تقدم و ما تأخر لأن مشركي مكة أسلم بعضهم، و خرج بعضهم عن مكة، و من بقي منهم لم يقدر على إنكار التوحيد إذا دعا الناس إليه فصار ذنبه عندهم في ذلك مغفورا بظهوره عليهم..
وقد يراد بما تقدم بذنبه ذنب أبيه آدم أما ما تأخر من ذنبه فالمراد بها ذنوب شيعته و في تفسير القمي، بإسناده إلى عمر بن يزيد بياع السابري قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) قول الله في كتابه: «ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك و ما تأخر» قال: ما كان له ذنب و لا هم بذنب و لكن الله حمله ذنوب شيعته ثم غفر لها.

دعواتكم..

7- قال تعالى: (عَبَسَ وَتَوَلَّى أَن جَاءَهُ الأَعْمَى وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى ) عبس : 1-4

قيل أنها نزلت في قصة ابن أم مكتوم الأعمى دخل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم و عنده قوم من صناديد قريش يناجيهم في أمر الإسلام فعبس النبي عنه فعاتبه الله تعالى بهذه الآيات.
نقول أن و ليست ظاهر الآيات يدل على أن المراد بها هو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم), بل هي خبر محض لم يصرح بالمخبر عنه, بل إن فيها ما يدل على أن المعنى بها غير ذلك لأن العبوس ليس من صفات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مع الأعداء المباينين فضلا عن المؤمنين المسترشدين. ثم الوصف بأنه يتصدى للأغنياء و يتلهى عن الفقراء وهذا لا يشبه أخلاقه الكريمة ،وهو الذي عظم الله خلقه بقوله -: «و إنك لعلى خلق عظيم» والتي نزلت قبل نزول هذه السورة، فكيف يعقل أن يعظم الله خلقه في أول بعثته ثم يعود فيعاتبه و يذمه .
و عن الصادق (عليه السلام) على ما في المجمع،: أنها نزلت في رجل من بني أمية كان عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فجاء ابن أم مكتوم فلما رآه تقذر منه و جمع نفسه و عبس و أعرض بوجهه عنه فحكى الله سبحانه ذلك و أنكره عليه.


8- قال تعالى: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) الزمر: 65

في تفسير القمي » هذه مخاطبة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و المعنى لأمته، و هو ما قاله الصادق (عليه السلام): إن الله عز و جل بعث نبيه بإياك أعني و اسمعي يا جارة.

شكرا جزيلا