تأملات <<< منقول للفائدة

بسمه تعالى

وسط عالم مزدحم، يجري بسرعة جنونية

نقف لنتأمّل قليلاً في الحياة

نعتكف في إحدى الكهوف .. بعيداً عن صخب الحياة

نُطلق الروح في السماء .. لتأتي لنا بالأجوبة

متجاوزين حدود البرمجة الثقافية والبيئية والتاريخية

يستغرب البعض من وقفتنا التأمّلية .. يرونها إهداراً للوقت بدلاً من التقدم والمضي

كإستغرابهم من الذي يسنّ منشاره بعد فترة من الإنهماك في قطع جذوع الشجر .. لماذا يتوقّف عن القطع و يضيّع وقته في سنّ المنشار ؟!

نغفل لحظات هنا وهناك .. ونسلّم لمعتقدات وأفكار أسلافنا وأجدادنا .. الحل؟

الحل هو شحذ المنشار ( الفكري والروحي ) من خلال التأمّل في مختلف الأفكار والرؤى والمعتقدات والأعراف والتقاليد

قد تسير بسرعة قاتلة دون توقّف للوصول إلى منطقة ما ، لتكتشف - في نهاية العمر - إنّها ليست المنطقة المراد الوصول إليها

فـ السائر على غير بصيرة كالسائر على غير الطريق ، لا تزيده كثرة السير إلا بعداً - كما يعبّر النبي بصورة رائعة

فلنجعل في هذا الطريق السريع " الهاي وي " ( الحياة ) ، محطات نتزّود ( نتبصّر ) منها لمركبتنا ( العقل والروح ) قليل من البترول والوقود ( الفكر والروحانيات )

تلكم الدقائق الضائعة في تلك المحطات ، أفضل من ساعات ضائعة نبحث فيها عن البترول في نصف الطريق بعد توقّف المركبة !

والساعات الضائعة في التأمّل ، أفضل من السير بسرعة قصوى ثم نكتشف بأن العمر كله ضاع في الطريق الخطأ !




ترقّبوا مقتطفاتنا التأمّلية ، حيث سنقوم بفرقعة بعض المفرقعات النارية ( المحفّزات الفكرية ) لإضاءة السماء ( الفكر ) بالألوان الزاهية ( بالمعارف الجوهرية )

التأمّلة الأولى

الموضوع

بما إننا سنثير بعض التأمّلات في هذا الموضوع ، سنبدأ بالقاعدة التي ينطلق منها هذا الموضوع وهو التأمّل

قبل أن نتأمّل مختلف الأفكار والمعتقدات والمطارحات ، دعونا نتأمّل التأمّل لكي نخرج بأكبر فائدة من التأمّلات القادمة



بعض من البنادق

التأمّل غذاء الروح

التأمّل شفاء

التأمّل عبادة

التأمّل سفر العقل

إذا كانت الحاجة هي أم الإختراع ، فإن التأمّل هو أبو الإختراع وزوج الحاجة

التأمّل هو إبن عم الخيال


فماذا ترون التأمّل ؟ حاجة ضرورية ؟ كمالية ؟ .. نافعة ؟ مضرّة ؟

مدى أهميتها ؟ أوقاتها ؟ مدّتها ؟ كيفيتها ؟ أماكنها ؟

هل هناك تأمّل جماعي ؟ أم فردي فقط ؟

بماذا تتأملون ؟ وما هي نتيجة هذا التأمّل ؟

روايات

عن الإمام علي عليه السلام :[ فكر ساعة قصيرة خير من عبادة طويلة]
وفي رواية أخرى [ تفكر ساعة خير من عبادة سنة]
وفي ثالثة [فكرة ساعة خير من عبادة سبعين سنة]

ليش في رواية عبادة سنة وفي آخرى 70 سنة ؟
لعل للتأمل درجات .. فكما إن نوم العالم أفضل من عبادة الجاهل .. فتأمل الإنسان البسيط قد لا يعادل تأمل العالم .. قد يكون هذا سبب وجود لفظتان مختلفتان (سنة) و ( 70 سنة) .. (على فكرة ، هذا الإستفسار مع الجواب المحتمل له أتيا على ذهني من خلال التأمل والله أعلم )

وعن الإمام الصادق [كان أكثر عبادة أبي ذر رحمه الله التفكّر والإعتبار]

آيات قرآنية

{ إِنَّ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضِ وَٱخْتِلَـٰفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ لاَيَـٰتٍ لأوْلِى ٱلألْبَـٰبِ } [آل عمران:190]

{ أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى ٱلإبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى ٱلسَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى ٱلْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى ٱلأرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} [الغاشية:17-20].

{ قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير }، العنكبوت/20.

طبعاً ، لست بصدد ذكر كل الآيات التي تدعوا إلى التفكير والتأمل والتدّبر ، فلست حافظاً للقرآن .. ولكن أترككم مع بعض الإحصائيات اللطيفة ..

القرآن الكريم والتفكير

يكفي أن نعرف عدد الآيات التي ورد فيها مشتقات العقل ووظائفه والدعوة لاستخدامه
حتى نتوصل إلى نتيجة حتمية حول أهمية التفكير في حياة الإنسان :

آيات وردت فيها مشتقات العقل بالصيغة الفعلية : 49 آية
آيات تدعو إلى النظر...................................: 129 آية
آيات تدعو إلى التبصر.................................: 148 آية
آيات تدعو إلى التدبر....................................: 4 آيات
آيات تدعو إلى التفكر....................................:16 آية
آيات تدعو إلى الاعتبار.................................: 7 آيات
آيات تدعو إلى التفقه...................................: 20 آية
آيات تدعو للتذكر.....................................: 269 آية

في مجتمعاتنا، نعاني من حصر وتضييق لمفهوم العبادة. عندما نذكر لفظة " العبادة" ، يتبادر في أذهاننا الصلاة، الصوم، الحج، الدعاء، ..

ولكن هل تبادر – ولو مرّة في الحياة – التأمّل والتدّبر ؟

أليست هي عبادة في مفهوم الإمام الصادق ؟

لاحظ معي ، [ كان أكثر عبادة أبي ذر رحمه الله التفكّر والإعتبار]

إذاً ، إذا لا نعترف بالتأمّل كعلاج لأعتى الأمراض وأوجعها .. ولا بالتأمّل كمركبة لمعراج الروح إلى السماء .. ولا به كوسيلة لصفاء الذهن وهدوءه .. ولا به كأداة فعّالة لتوليد الخطط والأفكار .. ولا بإبن عمّه "الخيال" للإبداع والتفكير خارج الصناديق المزيّفة .. لنعترف به – على الأقل - كعبادة للتقرّب بها إلى الله عزّ وجل !! ( ونحن على أبواب شهر الله المعظّم )

فهو – لا شك- من العبادات الحسنة ، فالساعة منه قد تعدل أكثر من نصف مليون ساعة في غيره ( 70 سنة = 613،200 ساعة ) .. بل هو من العبادات الفريدة من نوعها ، حيث لا تتطلب إلى عضلات مفتولة ولا حركات جسدية ولا ألفاظ قولية ولا أماكن ولا أوقات محددة .. فكل ما تحتاجه هو توجيه بعض من الخلايا الدماغية للتفكير في أمر ما !

فلنتأمّل معاً في أنفسنا .. في بيئتنا .. في ديننا .. في كائناتنا .. في علومنا ..

إذا كنا نحرّم الطعام والشراب على بطوننا في شهر الله ، فلا نحرم عقولنا من "أكل" الطعام في كل لحظة منه من خلال التأمّل .. !

التأمّلة الثانية

صراع المدى القريب مع المدى البعيد

هناك خيارات كثيرة تتطلب التضيحة إمّا الآن ( المدى-القريب ) وإمّا غداً ( المدى-البعيد )

ولكن الناس - بإختلاف أفكارهم ومعتقداتهم - ينقسمون في تلك الخيارات ،
فالبعض يفضّل تقريب الفائدة والرفاهية وقتياً ( القريب ) والآخرين يحبذون تضخيمها من خلال تأخيرها ( البعيد )

إنّه صراع ال Short-term gains vs. Long-term gains

انا لا أريد أن أسألكم في أي طرف تجلسون .. لآن الأكثرية ستقول في فريق ال Long-term

ولكن أقول ما هي الحالات التي ستكون فيها مع هذا الفريق ومتى في ذاك ؟

وما هي العوامل التي تؤثر في الفريق الذي ستتواجد فيه ؟

وما هي أشهر الصراعات في هذا المجال ؟

فالمستثمر - في عنفوان شبابه - يميل قلبه إلى شركات تنمو بمعدلات خيالية وتتضاعف أسعار أسهمها Capital Gains ، وإن كانت لا توزع أرباح

أما من هرم وشاخ ، فيميل قلبه إلى شركات مستقرة ، تقوم بتوزيع أرباح دورية منتظمة Dividends Income

ولكن أيضاً هذا المثال ليس قاعدة مسلّمة ، فهناك إستثناءات .. فما أساس هذه القاعدة وإستثنائتها ؟

ولماذا تشتهي أنفسنا آيسكريم الفانيلا تحت وطأة حرارة شمس المملكة ونعلم إنّه مضر وفي أحسن الأحوال لا فائدة منه ! هل هي شهوة ترطيب البلعوم ؟!

نعرف أهمية العلم على المدى البعيد ولكن لذّة السرير ونعومة البرنوص يمنعانا من الإستيقاظ للإستفادة من الوقت !

نصاب بالتوتر ووجع الرأس .. ندخّن لتخفيف الألم لـ 3 دقائق .. ثم نعود وندخّن السيجارة الأخرى .. ثم نقضي على أنفسنا في نهاية المطاف ! ما الحل؟

هل نتحمّل وجع الرأس لمدة ساعات متواصلة ( أمر صعب ) أم نركن إلى خيار السيجارة ( أمر سهل ) ؟

ماذا عن الصرف ؟ نشتري الآن أم نوفّر لنشتري غداً ؟ وإن وفّرنا الآن وأتى اليوم التالي ، فهل نشتري أم نواصل التوفير ؟ إذا واصلنا التوفير ، متى نشتري ؟

هل يصح وصف أصحاب فريق ( المدى-القصير ) بالكسل ؟ بالجهل ؟ أم إنّه خيار كأي خيار يعادل ( المدى-البعيد ) بل قد يتفّوق عليه أحياناً ؟

لا شك بأن هناك متطرفين في فريق ( المدى-البعيد ) كما هو الحال في فريق الخصم .. ولكن متى نكون متطرفين ؟ هل هناك منطقة وسطى ؟ من يحددها ؟

بإختصار، إذا قدّمت لك هذه الكعكة ( بعد مدفع شهر رمضان ) .. فهل تتناولها ؟

أين تأمّلاتكم ؟!

يبدو إننا لا نعيش صراع اليوم مع الغد .. بل إننا لا نزال نتصارع مع الماضي .. !



شكلنا نفس هذا .. ما نعرف وين نروح ؟!

الماضي ؟ الحاضر ؟ المستقبل ؟

القريب ؟ المتوسط ؟ البعيد ؟

غير مهم ؟ مهم ؟ أهم ؟

up