انحراف الأمّة عن الصراع الحقيقي

انحراف الأمّة عن الصراع الحقيقي

فلسطين المحتلّة: مزيدٌ من الاستيطان
في فلسطين المحتلّة، يواصل العدوّ وضع حجر الأساس لمزيد من المستوطنات في القدس والضفّة الغربية، فيما يتواصل الضجيج الرسمي حول الخطّة الأمريكيّة التي يحمل الرئيس الأمريكي عناوينها في الخطاب الذي من المقرّر أن يلقيه أواخر هذا الشهر في الجمعية العموميّة للأمم المتحدة.
فالوحدات الاستيطانية تتوالى، حيث أُعلن عن العمل على ولادة خمسمائة وحدة استيطانيّة جديدة، في الوقت الذي يظهر أنّ المشكلة لدى الإدارة الأمريكية ليست في بناء المزيد من المستوطنات، وإنّما في كشف العدوّ للأرقام المتصاعدة فيها، ما قد يُحرج بعض العرب ويكشفهم أكثر أمام شعوبهم.
إنّ الذي يجري عمليّاً هو قضم متسارع لما تبقّى من أرضٍ فلسطينية في الضفّة الغربية وغزّة في منأى عن الاستيطان، لتذوب الدولة الفلسطينية القادمة ـ التي ستكون اسماً لغير مسمّى ـ في بحرٍ من الاستيطان، ولينتهي معها الأمل بعودة القضيّة إلى دائرة الضوء، بعد أن تكون المعطيات الميدانية والتطورات الدولية والتواقيع العربية قد أكلتها فعلاً، لتطوى معها صفحةٌ كاملةٌ من تاريخ الأمة، ولتبدأ الحرب الداخلية في المحاور التي صنعها المحتل، وخطوط التماس الداخلية التي زرعتها الدول المستكبرة في النسيج الداخلي للأمّة، وأعانها عليها من أعان.

المجتمع الدوليّ يحضن الاحتلال
وللأسف، فإنّه في الوقت الذي يتحرّك المجتمع الدولي، وفي مقدّمه الولايات المتّحدة الأمريكية، للتغطية على إنهاء قضيّة فلسطين بالكامل، تماماً كما أعلن وزير خارجيّة العدوّ عن شطب القضيّة الفلسطينيّة من قاموس وزارته، معلناً أنها ماتت فعلاً، يبرز الحديث عن أنّ ثمة دولاً عربيةً وعدت الأمريكيّين بالمسارعة بخطوات تطبيعيّة مع العدوّ بمجرّد الإعلان عن بدء عمليّة التفاوض التي قد تفضي إلى الإعلان الشكلي عن دولة فلسطينيّة بحدود موقّتة، مع شطب حقّ العودة نهائياً.
إنني أحذّر من أنّ الخطّة الجهنمية التي أُعدّت في دوائر متعدّدة في الغرب، بالتنسيق مع كيان العدوّ، تقوم على إحداث حريقٍ كبيرٍ في داخل الأمّة يواكب العمل المستمر للتسوية المذلّة، أو تبدأ نيرانه بالاشتعال بعد الإعلان عن انطلاق الصفّارة الأولى لعملية تصفية القضية الفلسطينية، لتغرق المنطقة بالفتن المذهبيّة، والصراعات الداخليّة التي يُراد لها أن تحمي جدار التطبيع وتمنعه من السقوط، وأن تؤسّس لانهيارات متتالية في البنيان الإسلامي والعربي العام.

الاستعداد للمواجهة
إنّني، ومن موقع مسؤوليتي الشرعيّة، أدعو الشعب الفلسطيني قبل غيره، إلى الاستعداد لمرحلةٍ أخرى من مراحل المواجهة، لأنه أثبت أنه الوحيد القادر على إبقاء جذوة القضية وشعلتها مشتعلةً، كما أدعو الشعوب العربية والإسلامية إلى مواكبة هذا الشّعب، وتقديم كلّ أنواع الدعم إليه، لإعادة إطلاق حركة المقاومة التي تعرّضت لأبشع عمليّة حصار، ولمؤامرةٍ دوليّةٍ كبرى داخل فلسطين المحتلّة وغزّة وخارجهما.
وإننا في الوقت الذي نلاحظ أنّ جسد الأمّة قد أُثخن بجراح الاحتلال والفتن الداخلية والصراعات الحزبية والمذهبية، نرصد سعياً أمريكياً وإسرائيلياً ودولياً لاستغلال ذلك كلّه في عمليّة الضغط على البطن الرّخو في الأمّة، لسَوْقها إلى التسليم النهائي لعدوّها، وإعلان الهزيمة أمامه، على الرغم من النجاحات، بل الانتصارات الكبرى التي تحقّقت في مواجهة المشروع الصهيوني.

انحراف الأمّة عن الصراع الحقيقي
إنّ الآلام التي تعاني منها الأمّة، سواء من خلال ما يجري من تقاتل وتناحر بلا طائل، كما يحصل في اليمن، وما يحدث من احترابٍ وصراعٍ داخليّ في الصومال، ومن عمليّات تفجير إجرامية تستهدف الأبرياء وتطول المدنيين ولا تستهدف الاحتلال كما يجري في العراق، وما يحدث من استباحةٍ متواصلةٍ من الاحتلال في أفغانستان، واستهانةٍ بأرواح المدنيين الذين تلاحقهم الطّائرات الأمريكية، فتقتل وتبيد عائلاتٍ بأكملها بحجّة الحرب على الإرهاب، إضافةً إلى ما يحدث من انقسامات في السودان... إنّ ذلك كله يمثل جزءاً من الخطّة المرسومة التي يُراد من خلالها لطاقات الأمّة أن تُهدر في الحروب والمنازعات الداخلية، حتى يتمكّن الأعداء من تمرير مشروعهم الذي تعرّض إلى انتكاسات سابقة، ويُراد له أن يعود إلى اندفاعه الأوّل من خلال الدماء التي تصنعها حركة الفتنة المتنقّلة هنا وهناك.
ونحن نحذّر من أنّ الأعداء يعدّون العدّة، ويرسمون الخطط لفتنٍ جديدةٍ تحمل العناوين المذهبيّة، وتحاول تمزيق الممزَّق وتقسيم المقسَّم، إمعاناً في تجريد الأمّة من بقيّة عناصر القوّة فيها، وعلى الحريصين أن يتحرّكوا سريعاً، ويعدّوا العدّة المضادّة والآليّات المناسبة لمواجهة ذلك كلّه.

لبنان رهين الخارج
أمّا لبنان، فنحن نعتقد أنّ ما يجري فيه يمثّل الصدى لما يجري في المنطقة، لأنّ الخطّة الدوليّة تسعى لقطع الطريق على أية حلول موضعيّة، بانتظار جلاء الأمر في الملفّ الكبير المتمثّل بالملف الفلسطيني. ولذلك فإنّنا لا نستبعد أن يكون أطراف دوليّون قد دخلوا على خطّ الأزمة الداخلية، وعملوا على عرقلة الأمور، لتبقى المسألة في دائرة تقطيع الوقت ريثما تنضج الطّبخة في مواقع إقليمية معينة.
لقد عادت بعض المحاور الدوليّة لتكتشف أن لبنان لا يزال يصلح كورقة للمساومة، وللضغط على هذا المحور الإقليمي أو ذاك، وعادت اللّعبة الدولية إلى أوج نشاطها، لتترك اللّبنانيين في مهبّ الرياح الإقليمية والدولية، وعاد الكثيرون إلى القيام بدور الوسيط بين هذه الدولة أو تلك وبين شعبهم، وغاب لبنان الوطن عن عيونهم، لترتفع أمامهم صورة هذا المسؤول الأجنبي أو ذاك المسؤول الإقليمي، فيأخذوا من حركته زاداً سياسياً لنشاطهم وتصوّراتهم حيال ملفّات الداخل.
إنّنا ندعو الجميع إلى العودة إلى رحاب الوطن، وإلى أهلهم وقضاياهم، وإلى اعتماد لغة العقل، وترك لغة الانفعال التي تعود بالكوارث على البلد ولا تحمي أصحابها، بل تترك الساحة مفتوحةً على مخاطر حاضرة وأخرى آتية.

سماحة آية الله العظمى، العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله،(حفظه الله)

خطبة الجمعة
( 22 رمضان 1430هـ/ 11 أيلول ـ سبتمبر 2009م)
أنقر هنا لسماع الخطبة
انقر هنا لقرأت الخطبة..

شكرا لك عا النقل
والله هالكلمات جواهر ودرر...فعلا في صراع حقيقي عم بصير أو بالأحرى عم يخطط له انو ينسى ويصير غير مبال له باختلاق التنازعات التي تشغل العالم ببعضهم
الله يعجل فرج امامنا المهدي..حتى يملأ الأرض قسطا وعدلا..

» خطط استكباريّة لترويع الأمّة
» الهجمة الاستكباريّة الصهيونيّة على الأمّة
» حزب الله اطمأن الى وضعه العسكري فدخل حلبة الصراع السياسية
» الصوم الحقيقي ..
» عبارات انجليزي ومعناها الحقيقي‏