العدد 216- مجلة بقية الله
مريم محمود
إن الاحتفاء بالعيد سيرة أممية، فأكثر الأمم تحتفل بالأعياد، ويتجلى الاهتمام بها بحسب ما يتضمّنه العيد من ذكرى...
والأعياد في المجتمعات الإسلامية تختلف عن الأعياد في المجتمعات غير الإسلامية، ذلك أن الأعياد فيها، هو تعبير عن القيم الأخلاقية والتواصل، والصدقة والعبادة، بينما في غيرها هي أيام لإشباع الشهوات، أيام تواصل مع زخارف الدنيا الفانية.
ما معنى العيد؟ وما هي حقيقته؟ وما هي العادات والتقاليد الممارسة خلال العيد عند المسلمين؟
* العيد في اللغة:
ذكر في معجم الوسيط أن: "العيد ما يعود من هم أو مرض، أو شوق أو نحوه، وكل يوم يحتفل فيه بذكرى كريمة أو حبيبة"(1).
* العيد في القرآن:
وردت كلمة العيد مرة واحدة في القرآن الكريم، في آخر سورة المائدة، قال تعالى: (قال عيسى بن مريم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيداً لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين) (المائدة: 114).
* العيد في المفهوم الإٍسلامي:
أتت روايات أهل البيت (ع)، لتعطي مفهوماً متميزاً للعيد. فالعيد في المفهوم الإسلامي، هو اليوم الذي نعبّر فيه عن تعظيمنا للدين ولشعائر الله سبحانه وتعالى، ولإظهار حقيقة الإسلام، وللعودة إلى الحق تعالى، لننجذب بيد الرحمة إليه، ونجني ثمار رضوانه عزَّ وجلَّ.
وكتأكيد على هذا المفهوم، ورد عن أمير المؤمنين (ع): "إنما هو عيد لمن قبل الله صيامه وشكر قيامه، وكل يوم لا يعصى الله فيه فهو عيد"(3).
* حقيقة العيد:
وعن سويد بن غفلة يقول: دخلت على أمير المؤمنين (ع) يوم عيد، فإذا عنده فاثور(4)، عليه خبز السمراء(5)، وصفحة فيها خطيفة(6)، وملبنة(7)، فقلت: يا أمير المؤمنين، يوم عيد وخطيفة؟
فقال (ع): "إنما هذا عيد من غفر له"(
.
إن حقيقة العيد ليست المناسبة التي نأكل فيها ونشرب، نلبي كل غرائزنا، ننقاد فيها لشهواتنا، إنما حقيقته في المغفرة، من خلال العمل الصالح، وتزكية النفس، والعلاقة الصحيحة والمستقيمة مع المولى جل جلاله.
والإمام الحسن (ع) تصدى لبيان حقيقة العيد، وفسره بموسم الثواب الذي ينال فيه المحسنون أجرهم، والمسيئون جزاءهم، ففي أول أيام عيد الفطر، صادف مروره بقرب أناس يلعبون ويضحكون، فقال لهم (ع): "إن الله جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه فيستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته فسبق قوم ففازوا، وقصر آخرون فخابوا، فالعجب كل العجب من ضاحك لاعب في اليوم الذي يثاب فيه المحسنون، ويخسر فيه المبطلون، وأيم الله لو كشف الغطاء لعلموا أن المحسن مشغول بإحسانه والمسيء مشغول بإساءته، ثم مضى"(9).
* يوم عيد الفطر:
يوم العيد هو يوم توسل واستشفاع، يساوي كل أعمال شهر رمضان المبارك، لأنه وقت اختاره الله من بين الأيام لإطلاق الجوائز، والإنعام على العباد.
ولعل أفضل أعمال يوم العيد:
1 ـ التزيين، فعن النبي (ص)، قال: "زينوا أعيادكم بالتكبير"(10).
2 ـ دفع زكاة الفطرة، وهو واجب.
3 ـ تحسين الثياب، والتطيب.
4 ـ التهيؤ للخروج للصلاة، ومن آدابها أن يجعل صلاته تحت السماء إن استطاع، مستظلاً بعناية الله، وليحاول تحصيل روح التكبير.
في صفة النبي (ص)، قيل: "النبي كان يخرج في العيد رافعاً صوته بالتهليل والتكبير"(11).
* عادات وتقاليد العيد:
العيد يشكل مناسبة يتشارك الناس الفرحة فيها، ومن أوجهها الاجتماعات العائلية، لأنها تعبير عن رابط الألفة وهذه ميزة تتميز بها المجتمعات الإسلامية عن غيرها، لأن الإسلام يحث على صلة الرحم ويدعو إليها، كما وأنها تزيد من أواصر المحبة.
هدية العيد: التي يجب أن تبقى، وهي من العادات المألوفة في مجتمعاتنا، والإسلام دعا إليها من باب تقوية العلاقات الاجتماعية:
فعن الإمام علي (ع)، أنه قال: "لئن أهدي لأخي المسلم هدية تنفعه، أحب إليّ من أن أتصدق بمثلها"(12).
وعن أفضل الهدايا، قال رسول الله (ص) كما روي عنه: "ما أهدى مسلم لأخيه هدية أفضل من كلمة حكمة يزيده الله تعالى بها هدى أو يرده بها عن ردى"(13).
ولا ننسَ زيارة القبور، زيارة من سبقنا إلى دار المقر الأبدي، زيارة موتانا الذين تبقى ذكراهم حاضرة في قلوبنا، تعود مع عودة العيد كل عام...
والتفكير بالآخرين في يوم العيد، وخاصة الفقراء والمحتاجين، والأيتام وبالأخص أيتام المجاهدين الأبطال الشهداء الأبرار الذين رووا هذا التراب الأبي على الضيم، بدمائهم العطرة فلم ينهزم.
عيد الفطر يتميز بخصوصية أن الله تبارك وتعالى أذن فيه للعباد بالحضور بين يديه، والاستغفار من ذنوبهم ووعدهم على ذلك كله الإجابة. لذلك، ينبغي إحسان الظن بالله والرجاء لعظيم منح الله تعالى ونعمه التي لا تعد ولا تحصى.
*****
الهوامش:
(1)مجمع اللغة العربية: المعجم الوسيط، ج2، ص635.
(2)الفراهيدي، الخليل بن أحمد: ترتيب كتاب العين، ج2، ص1307.
(3)وسائل الشيعة، ج15، الحر العاملي، ص308.
(4)طاولة الطعام.
(5)الحنطة.
(6)اللبن المطبوخ مع الطحين.
(7)ملعقة.
(
مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج16، ص299.
(9)ابن شعبة الحراني، ص236.
(10)كنز العمال، خ24094.
(11)كنز العمال، خ1801.
(12)فروع الكافي، ج5، ص144.
(13)كنز العمال، خ28892.