النص: لما كثر مالي أجلست على بابي بوابا يردّ عني فقراء الشيعة ، فخرجت إلى مكة في تلك السنة فسلّمت على أبي عبد الله (ع) ، فردّ عليّ بوجه قاطب مزوّر ( أي عابس ) ، فقلت له : جعلت فداك !.. ما الذي غيّر حالي عندك ؟.. قال : تغيّرك على المؤمنين ، فقلت : جعلت فداك !.. والله إني لأعلم أنهم على دين الله ، ولكن خشيت الشهرة على نفسي ، فقال :
يا إسحاق !.. أما علمت أنّ المؤمنَين إذا التقيا فتصافحا أنزل الله بين إبهاميهما مائة رحمة : تسعة وتسعين لأشدّهما حبا ، فإذا اعتنقا غمرتهما الرحمة ، فإذا لبثا لا يريدان بذلك إلا وجه الله تعالى ، قيل لهما : غُفر لكما ، فإذا جلسا يتساءلان قالت الحفظة بعضها لبعض : اعتزلوا بنا عنهما ، فإنّ لهما سرا قد ستره الله عليهما ، قلت : جعلت فداك !.. فلا تسمع الحفظة قولهما ولا تكتبه وقد قال تعالى : { ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد } .
فنكس رأسه طويلا ثم رفعه وقد فاضت دموعه على لحيته ، وقال : إن كانت الحفظة لا تسمعه ولا تكتبه فقد سمعه عالم السرّ وأخفى ، يا إسحاق !.. خف الله كأنك تراه ، فإن كنت لا تراه فإنه يراك ، فإن شككت أنه يراك فقد كفرت ، وإن أيقنت أنه يراك ثم بارزته بالمعصية فقد جعلته أهون الناظرين إليك.
ص324
المصدر: كتاب قضاء الحقوق ، ثواب الأعمال ، الكشي