[23]ـ لقد فسّر الكثير من الاعلام الآية المباركة علی النحو الذي فسّرها به
المصنّف رحمه الله، فقالوا بأنّ ذِكر الله أكبر من الصلاة. بَيدَ أنّ هذا المطلب لا
يمكن القبول به، لاُمور
أوّلها: أنّ الصلاة هي بذاتها ذِكر، بل من أعظم مصاديق الذِّكر، لانّ روح الصلاة
في جميـع أفعال الصلاة وأقوالها هو حضـور القلب، وهو حقيقة الذكر.
وثانيها: أنّ هذه الا´ية، أي الآية 45، من السورة 29: العنكبوت: وَأَقِمِ الصَّلَو'ةَ إِنَّ
الصَّلَو'ةَ تَنْهَي' عَنِ الْفَحْشَآءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَهِ أَكْبَرُ، لا تقول بأنّ ذِكر الله أكبر من
الصلاة. بل وردت جملة وَلَذِكْرُ اللَهِ تعليلاً للجملة السابقة.
أي أ نّها تريـد القـول بأنّ الصلاة ـ التي هي بذاتـها ذِكـر تنـهي عن الفحشاء
والمنكَر لا نّها ذِكر الله الاكبر. وأنّ الصلاة أكبر وأشدّ تأثيراً في النهي عن الفحشاء
والمنكر من أيّ شيء آخر.
فإن لم نعتبر الجملة تعليليّة، فإنّ معناها سيبقي: أنّ الصلاة ـ التي هي ذِكر الله أكبر من الفحشاء والمُنكر، وأنّ ذِكر الله (أي الصلاة) أكبر وأعلی من كلّ لذّة وسرور غير مشروعَين.
وثالثها: أنّ مذاق الشرع والرسول (الذي جاء بهذه الا´ية) يفيدان أنّ الصلاة أكبر
وأعلی من كلّ عمل وموضوع ؛ فقد قال رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم:
الصَّلاَةُ خَيْرُ مَوْضُوعٍ، فَمَنْ شَاءَ اسْتَقَلَّ، وَمَنْ شَاءَ اسْتَكْثَرَ. وقال: الصَّلاَةُ مِيزَانٌ
، مَنْ وَفَّي اسْتَوْفَي. وقال: الصَّلاَةُ عَمُودُ الدِّينِ. وقال: إنَّمَا مَثَلُ الصَّلاَةِ كَمَثَلِ عَمُودِ
الفُسْطَاطِ. وقال: أَوَّلُ مَا يُسْأَلُ العَبْدُ عَنْهُ الصَّلاَةُ. وقال: الصَّلاَةُ قُرْبَانُ كُلِّ تَقِيٍّ.
وأصرحُ منها جميعاً ما رواه الكلينيّ في «الكافي» ج 3، ص 264، عن معاوية بن
وَهَب قال:
سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ أَفْضَلِ مَا يَتَقَرَّبُ العِبَادُ إلی رَبِّهِم وَأَحَبِّ ذَلِكَ إلی
اللَهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا هُوَ؟ فَقَالَ: مَا أَعْلَمُ شَيْئاً بَعْدَ المَعْرِفَةِ أَفْضَلُ مِنْ هَذِهِ الصَّلاَةِ، أَلاَ
تَرَي أَنَّ العَبْدَ الصَّالِحَ عِيسَي ابْنَ مَرْيَمَ قَالَ: «وَأَوْصَـ'نِي بِالصَّلَو'ةِ وَالزَّكَو'ةِ مَادُمْتُ
حَيًّا».
من رسالة السير والسلوك المنسوبة إلي بحر العلوم