أبطال عاشوراء
المولى «جون».. والموقف الحر
جريدة الدار الكويتية
قصة كل أبطال عاشوراء أنّهم عرفوا الحقيقة، وعاهدوا الله. لقد اعتبروا أن بينهم وبين الله عهدًا، وأن الإنسان الّذي يعاهد الله لا بدّ له أن يصدق مع الله عهده.
ومعنى أن يصدق مع الله في عهده، أن ينظر - في كلِّ مرحلة من مراحل حياته - إلى كل ما يعمله، وإلى كل ما يريد أن يسير فيه، ليجد هل هو منسجمٌ مع عهده مع الله أو لا؟ والآن، كيف نفهم عهد الله هذا الّذي أشارت إليه الآية الكريمة:
« مِنَ المؤمنينَ رجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدوا اللَّهَ عليه فمنهم من قضى نَحبَهُ ومنهمُ مَن ينتظرُ وما بَدَّلوا تبدِيلاً » (الأحزاب/23).
وهذا الّذي تمثّل به الإمام الحسين في كلّ وقفة من وقفات الشهادة الّتي كان يقفها أصحابه وأهل بيته ، ما هو عهد الله؟
عهد الله هو الإسلام، وهو الإيمان. فمعنى أنك مسلم، هو أن تعاهد الله سبحانه وتعالى، وأن تسلم كل حياتك له وفي سبيله، أن تجعل كل خطواتك في طريقه، أن تواجه كل التحدّيات وكل الأخطار وكلّ العقبات في سبيل الله، ومن أجل الله تعالى... ذلك هو عهد الله، أن تُسلِم له أمرك وحياتك، لا أمر لك مع أمره، ولا كلمة لك مع كلمته.
أن تقول في كل مرحلةٍ من مراحل حياتك وفي كلّ يوم تصبح فيه وتُمسي : طاقاتي كلها لك وحياتي كلها لك.
جون : والموقف الحر
ولا يبقى لنا إلاّ أن نفهم موقفنا الّذي يمتدّ من مواقف أصحاب الحسين ، وهو موقف الإنسان الّذي يشعر بالمسؤولية أمام الله عز وجل، فيجعل حياته منسجمةً مع خطّ المسؤولية.
إننا نلتقي بهم في موقف ( جون ) مولى أبي ذر الغفاري. ولقد عاش بعد أبي ذر مع الأئمة ، ومع الحسين وأهل بيته، يخدمهم بكل طاقته.
وعندما انطلقت المعركة في كربلاء، خاطبه الإمام الحسين وقال له : يا « جون أنتَ في إذنٍ منّي، فإنّما تَبِعتَنا طَلباً للعافيةِ، فلا تَبتلِ بطريقتنا ».
أنت كنت خادمًا لنا، تخدمنا لتعيش وتضمن حياتك معنا، ونحن الآن في موقف لا يغري إنسانًا بالربح، ليس فيه إلاّ الموت، فحاول أن لا تبتلي بطريقتنا.
فماذا كان جوابه؟ قال : يا سيدي أنا في الرخاء ألحْسُ قصاعكم وفي الشدّة أخذُلُكم، والله إنَّ ريحي لمُنْتنٌ وإن حَسبي للَئيمٌ ولوني لأسْوَد. فتنفَّسْ عليَّ بالجنةِ، فتطيب ريحي ويشرف حسبي ويبيضَّ وجهي.