لم يعد تكثيف التدريبات والمناورات في جيش الاحتلال الاسرائيلي يقتصر على الذخيرة الحية فقط. فانطلاقاً من قناعة عسكريين وأمنيين، وكما أكّد قائد القوات البرية في جيش الاحتلال سامي تورجمان، بأن حرباً قريبة ستشتعل في المنطقة بين الكيان الإسرائيلي وما أسماها "الأذرع الإيرانية في الشرق الأوسط"، أي "حزب الله وسورية وحماس"، حدّث جيش العدو نوعية تدريباته، براً وبحراً وجواً. ووضع الى جانب التدريبات بالذخيرة الحية سلسلة "تدريبات نوعية" أبرزها تدريب وحدات خاصة على ما سماها "حرب عصابات داخل الأنفاق".
وفي خطوة لم يقدم عليها جيش الاحتلال في تاريخه حتى تجاه الفلسطينيين الذين يقلقون الإسرائيليين بنشاطاتهم المكثفة في الأنفاق، حفر أنفاقا على مساحة طويلة وبعمق عشرين متراً تحت الأرض على الأقل، وزودها بمختلف الوسائل والمعدات الشبيهة بتلك التي تدعي تقارير استخبارية اسرائيلية بأن حزب الله أقامها في الجنوب اللبناني، والتي – بحسب مزاعم تلك التقارير – "أكبر بعشرات المرات من تلك التي استخدمها الحزب خلال حرب تموز وبأن هذه الأنفاق تمتد على مساحة شاسعة في 160 قرية جنوبية".
وحاول الجيش الإسرائيلي بتقسيمه وهندسته هذه الأنفاق ان يضع وحدات الجيش أمام وضعية هي الأقرب لحقيقة الأنفاق التي يضعها الإسرائيليون في تقاريرهم لاستعدادات حزب الله للمواجهات مع الكيان الاسرائيلي. وقد تعمد الحديث عن هذه التدريبات وتفاصيلها بصراحة بالغة وذكر تفاصيل عدة حولها، وكأنه يريد بذلك ايصال رسالة الى حزب الله من خلال الإعلام الإسرائيلي .
داخل الأنفاق وضع جيش العدو في مساحة غير قليلة معدات وأجهزة الكترونية للتنصت والاتصالات الهاتفية، وتتوقع الأجهزة الأمنية الاسرائيلية أن "يكون حزب الله قد طور شبكته لتفوق بقدرة عملها ونجاحها تلك التي استخدمها في حرب تموز أضعاف المرات". ويرى جيش العدو الإسرائيلي ان عناصر حزب الله ستعتمد إعداد المفاجآت ونصب الكمائن في الحرب المقبلة" .
وفي مثل هذه الأجواء خاض جيش العدو تدريبات الأنفاق فوضع بين المسافة والأخرى نافذة صغيرة نصفها مفتوح والآخر مغلق. وكما يزعم حاييم دان نائب قائد مدرسة "حرب العصابات" في ما يسمى "قيادة الشمال"، فإن "حزب الله يضع مثل هذه الستائر ككمين لقواتنا في محاولة منه لتصعيب مهمة الجيش في ملاحقة مقاتليه وفي المقابل تتيح مثل هذه الستائر أو النوافذ الإمكانية أمام عناصر الحزب للاختفاء من وجه الجيش لدى اقتحامه هذه الأنفاق"، على حد قول حاييم دان .
ويضيف غابي اليميلخ، قائد قسم التدريبات في وحدة "غيفي"، التي تشارك في هذه التدريبات، انها "تدريبات على حرب الأنفاق ستساعد الجيش على التفوق". ويضيف "الأنفاق التي سنضطر الى اقتحامها في حال وقوع مواجهات مع حزب الله، هي مواقع أقامها عناصر الحزب وهم يعرفونها جيداً لأنهم بنوها. وهذا يجعل دخولنا اليها كالضيوف تماماً لدى حزب الله أثناء المواجهات. وهذا امر غير مريح واذا لم نتدرب على معرفة وضعية مثل هذه الأنفاق ومواقع المواجهة فإن تنفيذ مهمتنا سيكون صعباً لذا، نحن نتدرب جيداً على احتمال حرب الأنفاق لأن هذه التدريبات كفيلة بأن تجلب لنا التفوق وتحقيق الهدف", على حد تعبيره.
توقعات جيش العدو تشير الى انه "يتواجد في كل موقع داخل الأنفاق ما لا يقل عن 15 عنصراً من حزب الله، مزودين بمختلف المعدات الحربية المتطورة والحاجات الضرورية والطعام والشراب بما يساعدهم على الصمود والبقاء لمدة شهر على الأقل داخل الأنفاق". وبناء على هذه التوقعات اعد جيش الاحتلال خطة التدريبات واستخدم فيها جهاز "الاي بو" وهو واحد من الاجهزة الالكترونية المتطورة التي استحدثها جيش العدو بعد حرب تموز وطورها بعد حرب غزة الأخيرة في محاولة منه لمنع مفاجأة الجيش داخل الكمائن والمخابئ ، كما حصل معه في الحربين المذكورتين وكلّفته ثمناً باهظاً .
وجهاز "الاي بول" وهو جهاز على شكل كرة يمكن رميه الى داخل الأنفاق او المخابئ ومن شدة صغر حجمه لا يكون سهلاً على المقاتل مشاهدته. يحتوي الجهاز على معدات لاقطة للصوت والصورة. فبعد أن يرميه الجندي الى المكان المقرر أن تدخله الوحدة لمواجهة المقاتلين، ينقل الجهاز الى الحاسوب الذي يحمله الجندي صورة عن الموقع من الداخل والحديث الذي يدور بين المقاتلين. وهذا، بحسب الجيش، يساعد في شكل كبير الوحدة العسكرية على معرفة ما قد تواجهه في الداخل. وبناء على معطيات هذا الجهاز يقرر قائد الوحدة كيفية إدارة المواجهة مع المقاتلين داخل النفق او المخابئ .
وضمن محاكاة عنصر المفاجأة والكمائن في المواجهات المقبلة أقام جيش العدو نموذجاً للقرية اللبنانية بُني استخلاصاً من حرب تموز والصورة التي رسمتها الوحدات العسكرية التي خاضت المعارك أمام عناصر حزب الله. أما في سلاح البحرية فقد استحدث الجيش سفينة من دون ركاب أطلق عليها اسم "ستينج ريي" ويتم التحكم بها عبر أجهزة إلكترونية من داخل مراكز المراقبة. وبحسب جيش العدو فهي مزودة بأجهزة إلكترونية ومعدات حربية وكاميرات ورادارات مراقبة في الليل والنهار الى جانب اجهزة اتصالات عبر الأقمار الاصطناعية. السفينة، والى جانب امكان تنفيذها المهمة وحدها يمكن استخدامها أيضاً الى جانب سفن أخرى تشارك حالياً سلاح البحرية في تدريباته العسكرية, حسب ادعء الجيش الاسرائيلي.
وعلى رغم التقارير الاستخبارية للجيش التي تعترف ضمناً بالقدرات الفائقة لحزب الله والتي طورها في شكل كبير خلال السنوات الأربع الاخيرة، اختار تورجمان سياسة التهديد بقوله "ان جيشنا يمتلك قدرات قتالية واسلحة متطورة لا يعرفها أعداؤنا بعد. فهم لا يعرفون كفاءاتنا في القتال المباشر وآن الأوان لأن يتعرفوا إليها حتى يتوقفوا عن إطلاق تصريحاتهم التي يوهمون فيها أنفسهم بالقدرة على هزيمتنا"، بحسب قوله .
معدات الكترونية ومركبات
ومن الاحتمالات التي يشغل الاسرائيلي بها نفسه والتي يرى انها قد تشعل المنطقة من جديد, "تنفيذ عملية اختطاف بعد تسلل عبر الحدود الشمالية". و"اقتلاع الـشـجرة" الـتـي قـام بـهـا جـيش الاحتلال الإسرائيلي مطلع الشهر الماضي بالقرب مـن بلدة العديسة جنوب لبنان وكادت تؤدي الى تدهور عسكري كبير في المنطقة، جاء تعبيراً عن تلك المخاوف. ويعمل جيش العدو – حسب مزاعمه – "على تنظيف المنطقة المحاذية للحدود لضمان عملية المراقبة التي يقوم بها على مدار اليوم ويكثفها خلال الفترة الأخيرة مستخدماً الى جانب دورياته اجهزة الكترونية حديثة وضعها على مسافات طويلة في منطقة الحدود وتضمن المراقبة ونقل صور لتحركات اللبنانيين في الجهة الأخرى المحاذية للحدود".
وضمن محاولاته لمنع "تنفيذ الاختطاف" استبدل جيش العدو في مناطق عدة عند الحدود مركبات جيشه ودورياته بمركبات غير مأهولة بالركاب أطلق عليها اسم "كربان بايلوت" تضم معدات متطورة وأجهزة رادار قادرة على استهداف فوري للهدف وإطلاق النار، كما يزعم جيش العدو. وكما يقول ايرز بيلد مدير عام شركة غيونس للصناعات العسكرية والإلكترونية، فإن "المركبة تحتوي على جهاز قادر أيضاً على جمع معلومات دقيقة، وفي الرادار مجسات تقوم بالمهمة التي يقوم بها الجنود، والأهم انه يضمن للجيش تحقيق الهدف"، على حد زعمه .
وعلى رغم ان معدي هذه المركبات يؤكدون قدرتها على جمع المعلومات الدقيقة الا ان جيش الاحتلال يكثف من نشاط الكتيبة "869" لجمع المعلومات. وتعمل الكتيبة في شكل سري على طول "الحدود الشمالية" وقد زودها الجيش الاسرائيلي بمختلف الوسائل التقنية المحكمة وتركز "نشاطها في كشف ومراقبة مراكز حزب الله الى جانب رصد الحدود لمنع حدوث أعمال تسلل إلى داخل المنطقة الإسرائيلية". وضمن استعداد جيش العدو للمواجهات مع حزب الله يتم "تدريب هذه الوحدة ايضاً على كيفية ضبط عناصر الحزب، حيث يتقمص بعض الجنود دور عناصر الحزب لتكون مهمة بقية الوحدة المشاركين في التدريب كشف هؤلاء العناصر وإحباط العملية التي ينوون تنفيذها" .
وضمن التدريبات "يسير عناصر الوحدة لمسافات طويلة وهم يحملون أوزاناً تصل حمولة الواحدة منها الى حوالى اربعين في المئة من وزن الجندي الذي سيحملها".
وفي وضعه سيناريواتِ المواجهات المتوقعة يتناول جيش العدو في أبحاثه تقرير معهد كارنيغي الاميركي الذي يتحدث عن تصاعد المخاوف من نشوب حرب جديدة بين الحزب والكيان الإسرائيلي بعد ورود تقارير عن "نقل صواريخ متطورة الى الحزب". وبحسب مزاعم معدي التقرير فإن "حزب الله يستعد في شكل مكثف لمثل هذا السيناريو ببناء الدفاعات وحفر الخنادق وتجميع ترسانة صاروخية قوية".