تشير بعض القرائن والأدلة إلى أن العلامة الشيخ عفيف النابلسي بدأ يحضر لإعلان نفسه مرجعية دينية على الساحة اللبنانية خلفاً للمرجع الشيعي الراحل العلامة السيد محمد حسين فضل الله, ولو لم يدع لنفسه بعد.
ولعل من أبرز وأهم هذه المؤشرات إصداره لثلاثة کتب فقهية بشکل متواتر وهي: "فقه أهل البيت" (في جزأين) و "فقه الأئمة" (6 أجزاء) و "المواريث على فقه الإمامية", وهذا الأخير وهو الأحدث صدر قبل نحو 10 أيام .
ويبدو أن الشيخ النابلسي طرح موضوع المرجعية على ثلاث مراحل المرحلة الأولى هي داخل الحوزة وعلى مستوى طلبة العلوم والحوزات الدينية, من خلال کتابه "فقه أهل البيت", وهو بحسب تعريف مؤلفه: "کتاب استدلالي يعرض للفقه الإسلامي بطريقة مبسطة تسهل معرفة عملية الاستنباط الشرعي التي يقوم بها الفقهاء. کتاب يحتاجه العالم والطالب على حد سواء".
أما المرحلة الثانية, فهي المرحلة العامة وقد برزت مطلع العام الميلادي الحالي وتحديداً مع إصداره کتاب "فقه الأئمة" وهو يقع ضمن ستة أجزاء ويتناول کافة أبواب الفقه من عبادات ومعاملات, ويطرح فيه الشيخ النابلسي رؤيته الفقهية في المسائل التي يحتاجها المسلم في عباداته ومعاملاته.
وهذا الکتاب وبحسب تعريف الشيخ النابلسي له کما جاء في مقدمته, "يحتوي على ما يحتاجه المسلم من أحکام , وما يلزمه من تکاليف وفرائض, بلغة واضحة وأسلوب مبسط بحيث يکون بمستطاع المسلم المتعلم والمثقف الواعي أن يحصل على مقصوده ومطلوبه بأيسر ما يکون".
ويضيف الشيخ النابلسي في تعريفه لکتابه: "وقد سميّنا هذا الکتاب فقه الأئمة(ع) , لأن التحقيق الاجتهادي الذي قمنا فيه, في فهم السنّة النبويّة المطهرة, کان الأئمة وأحاديثهم ومنقولاتهم عن رسول الله (ص) , هم طريقنا إلى تبيانها وإيضاحها. وإن الأحکام التي وردت في القرآن الکريم في کل أبعادها, کان الأئمة (ع) هم طريقنا ونحن ننظر إلى مقاصدها وغايتها ومداليلها".
ويتضح من هذا الکتاب ومن مضمون مقدمته وما طرح بين دفتيه أن الشيخ النابلسي أطلق مرجعيته خارج جدران الحوزة ونقلها من أوساط طلبة العلوم والحوزات الدينية, إلى عموم المکلفين وعلى مختلف مستوياتهم.
أما المرحلة الثالثة وهي المرحلة الحالية التي ظهرت بعيد رحيل العلامة السيد محمد حسين فضل الله, حيث يبرز الشيخ النابلسي کخليفة للعلامة الراحل من خلال تبنيه لأسلوبه ومبانيه الفقهية التي تتبع منهجية الشهيد آية الله السيد محمد باقر الصدر (قدس سره).
وهذا ما يمکن أن يلمسه المتتبع لخطوات الشيخ النابلسي من خلال البيان الذي أصدره يوم الأحد الماضي وحدد فيه أول أيام شهر شعبان المعظم اليوم الثلاثاء کما حدد عدته بـ 29 يوماً, وهو بالتالي حدد عملياً بداية شهر رمضان المبارک قبل أکثر من شهر.
وجاء في البيان: "لقد ثبت لدى سماحته بالوجه الشرعي المعتبر بناء على مبناه الفقهي القائم على الأخذ بالأسباب والطرق العلمية اليقينية المرتکزة على الحسابات والمعطيات الفلکية الدقيقة المفيدة للاطمئنان أن يوم الثلاثاء الواقع في 13 تموز 2010 هو أول شهر شعبان المعظم, وأن عدة هذا الشهر ستکون تسعاً وعشرين يوماً...".
ويتضح من مضمون هذا البيان أيضاً أن الشيخ النابلسي يتتبع خطوات العلامة الراحل في اعتماد منهجية الشهيد الصدر في مبانيه الفقهية على الحسابات الفلکية والتي طرحها الإمام السيد موسى الصدر ودعا لاعتمادها بين المسلمين عموماً لتوحيد الأمة في أعيادها ومناسباتها الدينية.
ويلتقي الشيخ النابلسي مع العلامة الراحل إضافة إلى المنهجية الفقهية, في الکثير من الأمور السياسية وخصوصاً حول القضية الفلسطينية التي يعتبرها القضية المرکزية للأمة, وکذلک يلتقي معه في الدفاع عن الجمهورية الإسلامية الإيرانية ودعم قضاياها ومتابعة تطوراتها داخلياً وخارجياً, فضلاً عن القضايا المحلية. وهذا التقارب يظهر إلى حد التطابق في مواقف الشيخ النابلسي مع مواقف العلامة الراحل من القضايا المطروحة لا سيما في خطب صلاة الجمعة.
إضافة إلى ما تقدم فقد لوحظ أيضاً أن مديري موقع الشيخ النابلسي على الانترنت, عمدوا بعد انتهاء مراسم العزاء وتقبل التعازي بوفاة العلامة فضل الله إلى استبدال لقب العلامة الذي کان يطلقه الموقع على الشيخ النابلسي بعبارة "آية الله" في أشارة دلالية واضحة لتصديه لأمر المرجعية خلفاً للعلامة فضل الله.
ولا شک أن الشيخ النابلسي وکأي مرجع جديد في تصديه للمرجعية سيواجه عقبات, يتوجب عليه تذليلها أو تخطيها, ولعل أبرزها, يکمن في کونه مرجعية ناشئة, غير معروفة على المستوى العالمين العربي والإسلامي إلاّ في إطار محدود, فضلاً عن أن إقامته في منطقة الجنوب تحد من مساحة إطلالته الاجتماعية والإعلامية, کما تحد من مساحة احتکاکه مع المکلفين کذلک.
ومن بين العقبات التي يواجهها الشيخ النابلسي أيضاً أنه لا يملک بعد شهادات من أهل الخبرة بمرجعيته تسهل على المکلفين تقليدهم له, وبالتالي فإن التعرف على مستوى علمه وفقاهته واجتهاده يستوجب مطالعة مؤلفاته وکتبه, وفي ذلک عناء للمکلف.
إضافة إلى ذلک فقد أصدر مکتب العلامة الراحل السيد محمد حسين فضل الله بياناً دعا فيه مقلديه إلى البقاء على تقليدهم له بناء على فتاوى ومراجع أحياء "يرون وجوب أو جواز" ذلک, وهذا من شأنه أن يقطع الطريق على مقلدي العلامة فضل الله في العدول في تقليدهم إلى مرجعية أخرى سواء کانت للشيخ النابلسي أو لأي مجتهد سواه.
أما في حال التعرف على فقه الشيخ النابلسي والاطلاع على فتاويه فمما لا شک فيه أن کثيراً من الشبان والشابات سيجد فيها ما يتفهم رغباته وحاجاته في الأمور العصرية کون الشيخ النابلسي لا يختلف کثيراً عن العلامة فضل الله في نظرته لحاجات الشباب أو في ما يعبر عنه ضمن شروط المرجعية بأن يکون "عارفاً بأمور زمانه", وفي هذا السياق يبرز الشيخ النابلسي ببعض الفتاوى التي يخالف فيها الکثير من المرجعيات مثل جواز الغناء للمرأة"ضمن الضوابط الشرعية".
کما يتميز الشيخ النابلسي في فتاوى أخرى منها على سبيل المثال: جواز دفع "الحقوق الشرعية وأموال الزکاة" إلى الشعب الفلسطيني, بل يعتبر ذلک "من أوجب الواجبات وأعظم القربات".
کما يفتى الشيخ النابلسي بطهارة "أهل الکتاب" لا طهارة الإنسان بشکل مطلق کما ذهب إليه العلامة فضل الله.
ومن فتاويه المتميزة أيضاً جواز إسقاط الجنين المشوه في حال کان يشکل عبئاً لا يطيقه الوالدان, کما يرى أنه من الضروري "إنتاج فن ملتزم", يساهم في ثقافة الناس ووعيهم وسلوکهم الاجتماعي والديني.
والشيخ النابلسي هو من بلدة البيسارية إحدى قرى جبل عامل من مواليد العام 1941. تلقى علومه الابتدائية في قريته على الطريقة التقليدية (حفظ القرآن الکريم). ثم تعرف إلى الإمام السيد موسى الصدر والتحق بـ "مرکز الدراسات الإسلامية" الذي أسسه (الصدر) ودرس عليه الفقه والأصول والتفسير والعقائد الإسلامية.
ثم سافر إلى النجف الأشرف حيث تابع دراسته بناء على رغبة الإمام الصدر, حيث تابع دراسته على يد المرجع السيد محمد باقر الصدر,ولازمه في کل دروسه ومجالسه العامة والخاصة. وأخذ عنه الفقه والأصول والتفسير مدة عشر سنوات متواصلة, إضافة إلى السيد محمد حسين الحکيم والمرجع السيد أبو القاسم الخوئي, والشيخ محمد جواد مغنية.
تعرض الشيخ النابلسي کغيره من العلماء الناشطين في النجف الأشرف لمضايقات نظام صدام حسين الذي عمد إلى نفيه وعائلته إلى خارج العراق. فعاد إلى لبنان وانخرط بناء على وصية الشهيد الصدر بدعم حرکة الشعب الإيراني, ومساندة الإمام الخميني في ثورته على نظام الشاه.
عمل الشيخ النابلسي بالتبليغ عبر "المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى", وساند المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني ودعمها بقوة, إلى جانب الشهيد الشيخ راغب حرب وعمل معه على تأسيس "هيئة علماء جبل عامل" التي ترأسها لفترة طويلة, ثم عمل إلى جانب الشهيد السيد عباس الموسوي ونخبة من کوادر حزب الله في العمل الجهادي والتبليغي في الجنوب وکان لفترة عضواً أساسياً في قيادة حزب الله في الجنوب. ثم فضّل الانتقال إلى ميدان حرکة التبليغ والتدريس منذ ما يزيد عن 30 عاماً, کما أسس حوزة الإمام الصادق (ع) وحوزة السيدة زينب (ع) وأنشأ مجمع "السيدة الزهراء" (ع) في مدينة صيدا والذي دمره العدو الصهيوني في حرب تموز 2006.
ألف الشيخ النابلسي أکثر من 25 کتاباً في الفقه والعقيدة والسيرة وعلم الرجال, إضافة إلى مجموعة من البحوث في شخصية الإمام الخميني قدس سره, وعدداً کبيراً من القصائد الشعرية معظمها في العرفان, ولقبه أحدهم بـ "عالم الشعراء, وشاعر العلماء".
نقلاً عن وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية (إرنا)