مرت سنة على حرب القوقاز التي شكلت الحدث المحرك لعودة روسيا إلى معادلة الصراع من اجل تكريس مكانتها كقوة عظمى في معادلات الوضع الدولي و قد ظهر الترابط الوثيق بين هذا التحول و مجريات الصراع العربي الإسرائيلي انطلاقا من حرب تموز و تأثيراتها وصولا إلى اتهام المخابرات الإسرائيلية للمخابرات الروسية بأنها زودت حزب الله بتقنيات كشف شبكات العملاء ثأرا من الدور الإسرائيلي النشط في دعم جورجيا خلال حرب القوقاز .
لم تكن مصادفة بريئة ان يتزامن الاحتفال الروسي بالذكرى السنوية مع الضربة الإستراتيجية التي سددها الروس و الأتراك بصورة مشتركة من خلال الاتفاق على خط أنابيب عملاق مشترك ينقل الطاقة إلى أوروبا بصورة بدا معها التصميم الروسي على الاحتفاظ بموقع حاسم و مقرر في خارطة موارد الطاقة الأوروبية من خلال مشروع " ساوث ستريم " المشترك مع تركيا بالتوازي مع إعلان البدء بتنفيذ مشروع " نابوكو " الأوروبي لنقل الطاقة و الذي وضع أصلا لتلافي السيطرة الروسية على موارد الطاقة لكنه سيكون محكوما بالتحولات السياسية الزاحفة على الجمهوريات السوفيتية السابقة التي تخلخلت فيها ركائز النفوذ الأميركي و الأطلسي عموما بعدما أظهرت حرب القوقاز معادلة جديدة في الفناء الروسي .
المعاني الإستراتيجية للشراكة الروسية التركية أعمق و أهم مما تبدو عليه و هي تمثل عنصرا جديدا في مشهد دولي متحرك :
أولا تمثل حروب الطاقة المجال الاستراتيجي المقرر للمعادلات و التوازنات الدولية و المكانة الروسية الحاسمة و المقررة تتعزز أكثر في الميدان الذي راهن الأميركيون على شطب الفاعلية الروسية فيه و هو الحاجة الأوروبية للطاقة الروسية و قد دفنت حرب القوقاز بنتائجها هذا الرهان و الشراكة التركية الروسية الجيدة تضع نهاية حاسمة له .
ثانيا الاتفاق التركي الروسي يكرس مكانة تركيا على مسافة من المحور الغربي و يعزز الاستقلالية المتزايدة سياسيا و اقتصاديا التي تتمسك بها تركيا و أبرزتها في علاقاتها الوثيقة و المتقدمة مع سوريا و انفتاحها على إيران و في موقفها المعروف من حرب غزة و الصراع العربي الإسرائيلي عموما و هذا التموضع التركي الجديد يدخل اليوم في حساب التوازنات الدولية و الإقليمية و يجعل تركيا حاجة لا غنى عنها و بالتالي فقد ثبتت تركيا بصورة جذرية خيارها السياسي و الاستراتيجي الذي اتخذته منذ حرب العراق .
ثالثا الآفاق التي تفتحها الشراكات المتداولة في مجال الطاقة و خطوط النقل العملاقة العابرة للقارات و خصوصا من بحر قزوين سوف تقود لتطوير مجموعة دولية تضم روسيا و تركيا و إيران و سوريا حيث تتحرك هذه الدول من موقع الجغرافيا السياسية و بحساب التقارب السياسي لمجابهة الهيمنة الغربية من موقع الدفاع عن مصالحها الحيوية و استقلالها السياسي و لذلك يمكن توقع خطوات كبيرة في تسارع نشوء التكتل الشرقي الذي يضم سوريا و العراق و تركيا و إيران و تسعى سوريا بنشاط لترسيخه في المجال الاقتصادي و بالشراكة دوليا مع كل من روسيا و الصين ، و يثير الانتباه أنه في مجال الغاز تبدو قطر جاهزة للتناغم مع هذه الحركة الإستراتيجية بعد اتفاقها مع كل من روسيا و إيران .
إنها رياح جديدة تهب على المنطقة و العالم في نظر الخبراء و ستكون للشراكة التركية الروسية الناهضة مكانة مهمة في تحفيزها و توسيع نطاقها .
الشرق الجديد