بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد وآلِ محمد وعجل فرجهم
قائد سفينة النجاة هو العباس عليه السلام الذي كان في الحقيقة معجزة
فالمعجزة ما لم يجود به الزمان,
بل هي ما يتفضل به الرحمن من أجل أمر إلهي عظيم الشأن يريد الإثبات والتأييد , وقيل إن القرآن الصامت معجزة إلهية وأمير المؤمنين(ع) القرآن الناطق معجزة رسولية والعباس معجزة الإمام علي (ع) لنصرة واثبات الحق الحسيني .
فالعباس كان من الرجال المميزين في التاريخ الاسلامي والإنساني على حد سواء.
والإنسان بخلقه يتكون من جسد وروح , و جسد العباس كان من بطل الإنسانية الخالد الإمام علي (ع) الذي ما أنجب التاريخ كلـه والنساء كلهـن مثله إلا ابن عمه رسول الله (ص) ومن أم أنجبتها الفحول من العرب (أم البنين) ـ أنعم بها وأكرم من أمّ ـ فاجتمع في ذاك الفتى شجاعة وإباء الإمام علي (ع) وبطولة أخواله فحول العرب لأن العرق دسّاس كما يقول الأمير (ع). أما الروح الزكيّة فهي نفحة إلهية انبثقت من روح الأمير (ع) وترعرعت بحمى الحسين (ع) وتزكّت بعمل العباس نفسه فكانت روح إيمانية قل نظيرها في بني البشر.
فكان العباس مجمعاً للفضائل، وملاذاً للخصال الحسنة الشمائل وكان ذا قوة روحية هائلة، وطبيعة بنائه الجسدي تخدم قوته المعنوية والروحية , فقد كان طويل القامة, عريض ما بين المنكبين، ضخم الجسم أنيق، بحيث يركب على الفرس المطهم ـ القوي العالي ـ ورجلان تخطان على الأرض.
فامتزجت فيه قوة الروح وقوة الجسد، وأضيفت إليهما النخوة الهاشمية، والشجاعة الحيدرية، والقوة الإلهية ، والإيمان الحسيني .
فقد كان جسم العباس جسم عملاق ,
طويل القامة طول الزمن ,
عريض ما بين المنكبين عرض الأيام والليالي ،
ضخم الجسم ضخامة الرسالة ،
أنيق أناقة الحقيقة ،
قائد سفينة من سفن النجاة تخطُّ على وجه الزمن صراط مستقيم تسير بإمرة الإمام الحسين (ع) إلى الجنة.
فروحه وثـّابة إلى الحق والحقيقة ورغم ضخامة جسده الشريف لم يستطع حمل غلوائها وتوثبها فاستأذن أخاه وإمامه ومولاه أبا عبد الله الحسين (ع) قائلاً: أخي ..
قد ضاق صدري من هؤلاء المنافقين..
فالصدر الذي وسع السلام والقلب الذي اتزن القرآن فزهر فيه الإيمان ، قد ضاق وليس عنده إلا هذا الجسد (والضغط يولّد الانفجار) كما يقال ـ والانفجار يولّد التمزّق والتشتّت للمتفجّر ,
وهكذا فعل أبو الفضل العباس ـ فقد طارت يداه الشريفتان وعينه الباصرة و انفلتت هامته العالية، وتمزق جسده الشريف كلّه بسيوف ورماح الحقد، والغدر، والكفر، والنفاق .
فانطلقت روح العباس من أسر الجسد المقطع وهو يصيح (السلام عليك أخي أبا عبد الله) وصارت ترفرف فوق الرؤوس تشهد على أعمال الطغاة وتقضي حوائج المؤمنين والمحتاجين من المستضعفين .
ألم يكن باب الحوائج إلى الله ، وكاشف الكربات هـــو أبو الفضل العباس ؟
فلا السيف الذي قطع يده ,
ولا السهم الذي مزّق عينه،
ولا العمود الذي فلق هامته ,
ولا كل محاولات التشويه التي طالت رسالته استطاعت أن تؤثر على روحه الهائجة بالمثل والقيم وأن تؤثر على فحولته ورجولته العارمة ضدّ الظلم والطغيان,
بل تلك أضافت إلى قائمة القيم قيمة جديدة اسمها (أبو الفضل), والأخرى أضافت إلى الشعارات شعاراً للحرية اسمه (العباس).
وكما كان سيف الإمام الحسين (ع) أطول سيوف الحق في التاريخ ، فقد كان العباس حدّه ..
أرأيتم كيف أن العباس هو في الحقيقة معجزة بكل ما تحمله الكلمة من معنى ؟ و كيف استحق أن يكون القائد الأعظم لأعظم سفينة ؟ فكيف يا ترى كان فراق سيد الشهداء (ع) لقائد سفينته ؟
و هو الذي كان يقول :
أنا خيك يا بو سكنة بس تناديني عند الشدة تلقاني
تذكر من صرت حاير بقى يهتز لك بالغبرة جثماني
حتى الموت لم يفرق بينهمـــا - لطمية
السلام عليكما يا أبناء أمير المؤمنين و رحمة الله و بركاته و صلى الله على محمد و آل محمد الأبرار الأخيـــار .
من كتاب « العباس؛ بطولة الروح و شجاعة النفس »
لسماحة السيد هادي المدرسي حفظه الله