لم يكن الاتصال الذي اجرته وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون بنظيرها التركي احمد داود اوغلو عادياً، بل تطرق الى مسائل مهمة تهم الجانبين وتتعلق بالوضع في المنطقة بشكل عام وبدور تركيا المستقبلي الذي تعلق عليه كل الجهات آمالاً كبيرة نظراً الى ما نجحت في تحقيقه في السنوات القليلة الماضية.
وتشير المعلومات الى ان الاتصال الثنائي لم يكن فقط من اجل تركيا بل ايضاً من اجل اسرائيل، حيث حثت كلينتون انقرة على وجوب العودة الى المسار الاسرائيلي والانفتاح عليه وازالة كل الرواسب والتوترات، والابتعاد بالتالي عن الرهان على المحور العربي وتحديداً سوريا وترك مسافة مع ايران بعد ان باتت تركيا قريبة جداً منها. وتضيف المعلومات ان كلينتون وعدت بتعزيز الجهود الاميركية على اوروبا في محاولة لاقناع المعترضين على انضمام تركيا الى الاتحاد الاوروبي بالقبول، مقابل عدم الاسترسال التركي في الخط الجديد الذي بدأ يتطور منذ الحرب الاسرائيلية على غزة وتجسد اكثر فأكثر في دورها في الملف النووي الايراني وموقفها من الاعتداء على "اسطول الحرية".
وذكرت المعلومات ان اوغلو كان مستمعاً اكثر منه متحدثاً كونه يدرك تماماً ان ما يقال له ينم ايضاً عن ضغط اسرائيلي على الادارة الاميركية بعد ان شعر المسؤولون الاسرائيليون ان الامور باتت ضاغطة عليهم من الناحية السياسية وطلبوا في مقابل بعض "التنازلات" في عملية السلام، عودة تركيا كحليف متين لانهم، وكما لفت المسؤولون الاتراك اكثر من مرة، يدركون ان الخسارة الاسرائيلية لدولة اسلامية حليفة في المنطقة اكبر بكثير من الخسارة التركية، وهذا ما علق عليه الكثير من السياسيين والكتاب الاسرائيليين، خصوصاً بعد الدور التركي الكبير الذي سمح لها بالدخول من الباب الواسع الى الدول العربية والخليجية وحتى الابواب الايرانية بدليل الاتفاق الذي تم التوصل اليه مع البرازيليين في ما خص الملف النووي الايراني وتبادل اليورانيوم. كما ان اسرائيل تتخوف من عمق الدور التركي في ايران ولبنان وامكان تعزيز الصلة مع "حزب الله" بشكل يثير القلق الاسرائيلي بشكل جدي.
واذا كانت البوادر الاولى التي صدرت عن الاتصال هي الموافقة على ترك الموضوع الايراني للامم المتحدة لمعالجته، فإن هذا لا يعني قبول تركيا ببقية المطالب، وعلى عكس ما يتوقع البعض، فإن الولايات المتحدة لم تطلب من تركيا التخلي عن العلاقة مع ايران، لا بل انه من مصلحة واشنطن وتل ابيب ايضاً ابقاء انقرة على هذه العلاقة، انما المطلوب كان اعادة درس السيناريو المتبع ليستفيد منه الجميع، فوجود تركيا في الملف الايراني افضل بكثير من غيابها عنه. ولكن المسؤولون الاتراك باتوا يحتاجون الى دلائل حسية ملموسة للوعود التي تلقوها في مقابل عودتهم الى وضعهم السابق والذي في مطلق الاحوال لن يكون مطابقاً تماماً لما كان عليه، في ظل المتغيرات السياسية التي طرأت