مناظرة الإمام الجواد عليه السلام مع قاضي القضاة يحيى بن أكثم
عندما أراد الخليفة المأمون تزويج ابنته أم الفضل من الإمام الجواد (عليه السلام) بلغ ذلك العباسيين، فاعترضوا على الخليفة، وقالوا: يا أمير المؤمنين، أتُزَوِّج ابنتك صبياً لم يَتَفَقَّه في دين الله ؟!!، وإذا كنت مشغوفاً به فأمْهِلْه لِيتأَدَّبْ، ويقرأ القرآن، ويعرف الحلال والحرام.
فقال لهم المأمون: وَيْحَكم، إِنِّي أَعْرَفُ بهذا الفتى منكم، وإنَّه لأفْقَه منكم، وأعلم بالله ورسوله وسُنَّتِه، فإن شِئْتُم فامتحنوه.
فرضوا بامتحانه، واجتمع رأيهم مع المأمون على قاضي القضاة يحيى بن أكثم أن يحضر لمسألته، واتفقوا على يوم معلوم.
وجاء ابن أكثم وقال للإمام (عليه السلام)، بحضور مجلس المأمون: يا أبا جعفر، أصلَحَك الله، ما تقول في مُحرم قتل صيداً؟
فقال أبو جعفر (عليه السلام): قَتله في حِلٍّ أو حَرَم؟، عَالِماً كان المُحرِم أم جاهلاً؟، قَتَله عمداً أو خطأً؟، حُرّاً كان المُحرِم أم عبداً؟، كان صغيراً أو كبيراً؟، مُبتدِئاً بالقتل أم مُعِيداً؟، من ذَوَات الطير كان الصيدُ أم من غيرها؟، من صِغَار الصيد كان أم من كباره؟، مُصرّاً على ما فعل أو نادماً؟، في اللَّيل كان قتله للصيد في أوكَارِها أم نهاراً وعَياناً؟، مُحرِماً كان بالعُمرَة إذ قتله أو بالحج كان مُحرِماً؟.
فتحيَّر يحيى بن أكثم، وانقطع انقطاعاً لم يُخفَ على أحد من أهل المجلس، وبَان في وجهه العجز.
فتلجلج وانكشف أمره لأهل المجلس، وتحيَّر الناس عجباً من جواب الإمام الجواد (عليه السلام).
فقال المأمون لأهل بيته: أعرفتُم الآن ما كنتم تُنكِرونه؟
ونظر إلى الإمام (عليه السلام) وقال: أنا مُزوِّجُك ابنتي أم الفضل، فرضي (عليه السلام) بذلك، وتمَّ التزويج.
ولمَّا تمَّ الزواج قال المأمون لأبي جعفر (عليه السلام): إن رأيت - جُعلتُ فداك - أن تذكر الجواب، فيما فَصَّلتَه من وجوه قتل المحرم الصيد، لِنعلَمَه ونستفيدَه.
فقال أبو جعفر (عليه السلام): إنَّ المُحرِمَ إذا قتلَ صيداً في الحِلِّ، وكان الصيد من ذَوَات الطير، وكان من كبارها فعليه شَاة.
فإنْ كانَ أصابه في الحرم، فعليه الجزاء مضاعَفاً، وإذا قتل فَرْخاً في الحلِّ، فعليه حَمْل قد فُطِم من اللَّبن، وإذا قتله في الحرم، فعليه الحَمْل، وقيمة الفرخ.
وإن كان من الوحش، وكان حِمار وحش، فعليه بقرة، وإن كان نعامة فعليه بدنَة، وإن كان ظبياً، فعليه شاة.
فإن قتل شيئاً من ذلك في الحرم، فعليه الجزاءُ مضاعفاً هَدْياً بَالِغ الكعبة، وإذا أصاب المُحرِمُ ما يجب عليه الهدي فيه، وكان إحرامه للحجِّ، نَحَرَهُ بِمِنىً، وإن كان إحرامه للعُمرة، نَحَرَه بمَكَّة.
وجزاء الصيد على العالِم والجاهل سواء، وفي العَمدِ له المأثم، وهو موضوعٌ عنه في الخطأ، والكفَّارة على الحُرِّ في نفسه، وعلى السيِّد في عبده، والصغير لا كفَّارة عليه، وهي على الكبير واجبة.
والنادم يسقُط بِنَدمه عنه عقاب الآخرة، والمُصرُّ يجب عليه العقاب في الآخرة.فقال المأمون للإمام (عليه السلام): أحسنتَ يا أبا جعفر .
وأضاف الرواة إلى ذلك
أن المأمون طلب من الإمام أبي جعفر أن يسأل يحيى بن أكثم كما سأله.
فأجابه الإمام وقال ليحيى: أخبرني عن رجل نظر إلى امرأة في أول النهار فكان نظره إليها حراماً عليه، فلما ارتفع النهار حلت له، فلما زالت الشمس حرمت عليه، فلما دخل عليه وقت العصر حلت له، فلما غربت الشمس حرمت عليه، فلما دخل عليه وقت عشاء الآخرة حلت له، فلما انتصف الليل حرمت عليه، وبطلوع الفجر حلت له. فما حال هذه المرأة وبما حلت له وحرمت عليه؟
فقال يحيى بن أكثم: والله لا أهتدي لجوابك ولا أعرف الوجه في ذلك فإن رأيت أن تفيدنا.
فقال أبو جعفر (عليه السلام): هذه أَمَةٌ لرجل من الناس نظر إليها أجنبي في أول النهار فكان نظره إليها حراماً عليها، فلما ارتفع النهار ابتاعها من مولاها فحلَّت له، فلما كان عند الظهر أعتقها فحرمت عليه فلما كان وقت العصر تزوجها فحلت له، فلما كان وقت المغرب ظاهر منها فحرمت عليه، فلما كان وقت العشاء الآخرة كفر عن الظهار فحلَّت له، فلما كان نصف الليل طلقها واحدة فحرمت عليه، فلما كان عند الفجر راجعها فحلت له.
لا تنسونا من الدعاء