ثم كان جبرئيل يأتيه و لا يدنو منه إلا بعد أن يستأذن عليه
فأتاه يوما و هو بأعلى مكة فغمز بعقبه بناحية الوادي فانفجر عين فتوضأ جبرئيل و تطهر الرسول ثم صلى الظهر . و هي أول صلاة فرضها الله تعالى و صلى أمير المؤمنين (عليه السلام) مع النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)
و رجع رسول الله من يومه إلى خديجة فأخبرها . فتوضأت و صلت صلاة العصر من ذلك اليوم
و روي : أن جبرئيل أخرج قطعة ديباج فيه خط فقال اقرأ
قلت كيف أقرأ و لست بقارئ إلى ثلاث مرات
فقال في المرة الرابعة اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ إلى قوله ما لَمْ يَعْلَمْ
ثم أنزل الله تعالى جبرئيل و ميكائيل (عليه السلام) و مع كل واحد منهما سبعون ألف ملك أتى بالكراسي و وضع تاج على رأس محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) . و أعطي لواء الحمد بيده , فقال : اصعد عليه و احمد الله
فلما نزل عن الكرسي توجه إلى خديجة
فكان كل شيء يسجد له و يقول بلسان فصيح السلام عليك يا نبي الله
فلما دخل الدار صارت الدار منورة
فقالت خديجة : و ما هذا النور ?
قال : هذا نور النبوة
قولي : لا إله إلا الله محمد رسول الله
فقالت : طال ما قد عرفت ذلك . ثم أسلمت
فقال : يا خديجة , إني لأجد بردا
فدثرت عليه فنام فنودي يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ الآية
فقام و جعل إصبعه في أذنه و قال : الله أكبر الله أكبر
فكان كل موجود يسمعه يوافقه .
و روي : أنه لما نزل قوله وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ صعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ذات يوم الصفا فقال : يا صباحاه
فاجتمعت إليه قريش فقالوا : ما لك ?
قال : أ رأيتكم إن أخبرتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم ما كنتم تصدقونني
قالوا : بلى
قال : فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد
فقال أبو لهب : تبا لك أ لهذا دعوتنا ?
فنزلت سورة تبت
قتادة : إنه خطب ثم قال أيها الناس إن الرائد لا يكذب أهله و لو كنت كاذبا لما كذبتكم و الله الذي لا إله إلا هو إني رسول الله إليكم حقا خاصة و إلى الناس عامة و الله لتموتون كما تنامون و لتبعثون كما تستيقظون و لتحاسبون كما تعملون و لتجزون بالإحسان إحسانا و بالسوء سوء و إنها الجنة أبدا و النار أبدا و إنكم أول من أنذرتم
ثم فتر الوحي فجزع لذلك النبي (عليه السلام) جزعا شديدا
فقالت له خديجة : لقد قلاك ربك
فنزل سورة الضحى
فقال لجبرئيل : ما يمنعك أن تزورنا في كل يوم فنزل وَ ما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ إلى قوله نَسِيًّا
ابن جبير : توجه النبي (عليه السلام) تلقاء مكة و قام بنخلة في جوف الليل يصلي فمر به نفر من الجن فوجدوه يصلي صلاة الغداة و يتلو القرآن فاستمعوا إليه
و قال آخرون : أمر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أن ينذر الجن فصرف الله إليه نفرا من الجن من نينوى قوله وَ إِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ
و كان بات في وادي الجن و هو على ميل من المدينة
فقال (عليه السلام) : إني أمرت أن أقرأ على الجن الليلة فأيكم يتبعني فاتبعه ابن مسعود
فلما دخل شعب الحجون من مكة خط لي خطا ثم أمرني أن أجلس فيه و قال : لا تخرج منه حتى أعود إليك
ثم انطلق حتى قام فافتتح القرآن فغشيته أسودة كثيرة حتى حالت بيني و بينه حتى لم أسمع صوته
ثم انطلقوا , ثم طفقوا يتقطعون مثل قطع السحاب
و فرغ النبي (عليه السلام) مع الفجر
فقال لي : هل رأيت شيئا فوصفتهم
فقال : أولئك جن نصيبين
الكلبي قال ابن مسعود : لم أكن مع النبي (عليه السلام) ليلة الجن و وددت أني كنت معه . و هو الصحيح
و روي عن ابن عباس : أنهم كانوا سبعة نفر من جن نصيبين فجعلهم رسول الله رسلا إلى قومهم .
و قال زر بن حبيش : كانوا سبعة منهم زوبعة و قال غيره و هم مسار و بسار و بشار و لارد و خميع
محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال : لما قرأ النبي (عليه السلام) سورة الرحمن على الناس سكتوا فلم يقولوا شيئا فقال (عليه السلام) للجن كانوا أحسن جوابا منكم لما قرأت عليهم فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ قالوا لا بشيء من آلائك ربنا نكذب
علي بن إبراهيم : فجاءوا إلى النبي (عليه السلام) فآمنوا به و علمهم النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) شرائع الإسلام و أنزل قُلْ أُوحِيَ إلى آخر السورة و كانوا يفدون إلى النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في كل وقت و مكان
قال خزيمة بن حكيم النهدي :
و يعلو أمره حتى تراه
يشير إليه أعظم ما مشير
و هذا عمه سيذب عنه و
ينصره بمشحوذ تبور
و تخرجه قريش بعد هذا
إذا ما العم صار إلى القبور
و ينصره بيثرب كل قوم
بنو أوس و خزرج الأثير
سيقتل من قريش كل قوم
و كبشهم سينحر كالجزور
و هو الذي قال له النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) :مرحبا بالمهاجر الأول
كتاب : مناقب آل أبي طالب , الجزء الأول
تأليف : الشيخ محمد بن شهر آشوب المازندراني
نسألكم الدعاء