بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد وآلِ محمد وعجل فرجهم
تعلّمت من الحسين أنّ القلّة الواعيةَ الهادفة خيرٌ من الكثرةِ الغوغاء، وأنّ تحديدَ المهمّة ورؤيةََ استحقاقاتها كفيلٌ بتنقية المسيرة من المتسلّقين
تعلّمنا من الحسين أنّ القلّة الصابرةَ تُحدث تغييراً إذا ما آمنت بأنّ لكلّ شيءٍ ثمناً لا بدّ أن يُدفع.
تعلّمنا من الحسين أنّ الباكين عليه كثيرٌ كثير، وأنّ أكثرَ مَن شاركوا في قتله بكَوْه وندبُوه مُعْولين، وأنّه لو عاد لعاد الكثيرُ إلى قتله.
تعلّمنا من الحسين أنّ أقدارَ الناس تتفاوت إنّما لما يقومون بما عليهم مِن واجب، وأنّ قيمتَهم تعلو بالمبادرة والإخلاص والثبات
تعلّمنا من الحسين أنّ في معركة الإصلاح والتغيير السياسيّ والاجتماعيّ هناك دائماً دوْرٌ للمرأة كما للرجل، للشابّ كما للكهل، بل وهناك دورٌ للرضيع أيضاً.
تعلّمنا من الحسين أنّه لمْ يقم لأجل طائفةٍ أو دين، بل لعدلٍ ضدّ جوْر، ولصلاح ضدّ فساد، ولحقّ ضدّ باطل، وبعثاً لإرادة الأمّة بعد خوْرٍ واستلابٍ وخنوع.
تعلّمنا من الحسين أنْ يقول المُصلحُ الحقّ الذي يُصلِح فقط، لا أيَّ حقّ يأتي على باله، وأنْ لا يُبالي بعد ذلك .. لأنّ الله معه.
تعلّمنا من الحسين أنّ دروس الصلاح والإصلاح أحياناً لا يُوصِلُها الخطابُ ولا ثرثرةُ الكتب والكلام، بل لطمُ الأزماتِ وصفعاتُ الهوان والنكباتُ قد تُرجع للأمّة وللأفراد رشدَهم لعلّهم يُصلحون.
تعلّمنا من الحسين أن نُحبّ المصلحين في أيّ بلدٍ وثقافةٍ ودين، ونبغضَ أيّاً كان من المجرمين والمفسدين
تعلّمنا من الحسين أنّ لكلّ ثغرةٍ حسينَها الخاصَّ بها، ذاك الذي يُطلِق صرخةً لإصلاح الفاسد ويتقدّمُ مضحيّاً بنفسه للتغيير النّزيه، في كلّ بلدٍ وفي كلّ مجْمعٍ قد يُولدُ هناك حسينٌ واجبُ المودّةِ والنّصرة والتلبية.
تعلّمنا من الحسين أنّه مشروعٌ إصلاحيٌّ تغييريٌّ في بُنية الدين والسياسة والمجتمع والإنسان، وليس بمشروع مذهبي أو طائفي أو سلطوي.
تعلّمنا من الحسين أنّ العمرَ أُعطي لإنجازِ شيءٍ يُرضي الله، ولا يهمّ حالَ المباشرة لتحقيق هذا الإنجاز هجمَ الموتُ أمْ لمْ يهجمْ.
تعلّمنا من الحسين أنّ قيَمَ الحرية والصلاحِ الذاتي قيمٌ لا يُمكن التفريطُ بها ولا تسوى الحياةُ من دونها.
تعلّمنا من الحسين أنّ للتاريخ سِماطيْن، أحدَهما تكتبه بأشلاء غيرِك عدواناً، والآخر تخطّه بأشلاء نفسِك فداءً، فاكتبْ نفسَك بنفسك إمّا في ديوان المجرمين الآثمين أو ديوان المصلحين الآمنين.
تعلّمنا من الحسين أنّ البقاء مع الأهل والعشيرة أحلى وأمْنع، وأنّ الذهاب لِعُمرة الحجّ أسهلُ وأمْتع، لكنّ الفتى كلَّ الفتى من كان لنداء واجبه -أنّى كان- أقضى وأسْرع.
تعلّمنا من الحسين أنّه لا مُشاهدةَ الحسين تنفع، ولا حبَّ الحسين يمنع، عنْ أن يُحشرَ المرءُ ويُحشدَ ضدّ الحسين معادياً، ما دام يهوى ما يرى على ما لا يرى، يُؤثر العاجل على الآجل، والراحةَ على التّعب، والرجالَ على المبادئ والمُثُل.
تعلّمنا من الحسين أنّ الأهدافَ الساميةَ يقصُرُ عنها العمرُ المتاحُ لإنجازها إنّما لتبقى جذوةً عابرةً للتاريخ.
تعلّمنا من الحسين أنّ ما يقصرُ العمرُ عنه منْ إنجازٍ لوجْهِ الله، فابدأْ بإشعال فتيلِه ثمّ أطلقْ صرخةً في الأجيال اللاحقة لإكماله، تعلّمنا أنّ ما كان لله يبقى.
تعلّمنا من الحسين أنّ كلّ بكاءٍ لا بدّ وأنْ ينشعبَ يوماً إلى أحدِ بُكائيْن، بكاءٍ يبكيه الحسينُ على أعدائه قبْل قتله، وبكاءٍ يبكيه أعداؤه عليه بعد قتله، فانظرْ إلى مَ تريدُ أنْ يؤولَ بكاؤك حين الواقعة!
تعلّمنا من الحسين أنّ نصيحةَ بعضٍ منْ رجال الدين ولو كانوا أحباراً للأمة قد تؤول لا في صالح الأمّة ولا لِصلاح الدين.
تعلّمنا من الحسين أنّ الدين أحياناً قد يُمتطى ويُسيّس، وتسخّرُ الشريعةُ وفتاوي الشريعة لقلْع رأسِ مَن أراد أن يُحييَ الشريعة.
تعلّمنا من الحسين أنّ هناك نُسَخاً من الدين كثيرةٌ، نسخةً من الدين تُوجب الوقوفَ مع الحسين، ونسخةً توجب الوقوف ضدّه، ونسخةً توجب الهروب عنه، ونُسخة تدعو للحياد والنصيحة، ونسخةً شرسةً تُوجب قتلَه وتَخرجُ لاستئصاله، وكلّها تُصلّي على النبيّ وآله..
تعلّمنا من الحسين أنْ ما أحدٌ فوق الدين موصّىً عليه ليُجعل في حوزته وجُبّته، يُضحّي الحسينُ بنفسه من أجل الدين، فيذهبُ ويبقى الدين، فأيّ حجّة لمن يدّعي أنّه الممثّل للدّين وبزواله زوالُ الدين بعد الحسين؟
تعلّمنا من الحسين لوناً آخر لرجل الدين غيرَ الذي نعهده، دوراً ينبضُ بمصلحة الأمّة ويَفدي نفسه وراحته لخيرها ولا تهمّه الكثرةُ والسمعة
تعلّمنا من الحسين أنّ الدين الذي وصلَنا اليوم لو كان كلُّه صحيحاً وأنّ السلسلةَ إلى الرسول (صلى الله عليه واله وسلم ) ما انقطعتْ وأنّ إجماعَ الأمّة على شيء من السياسة أو العوائد والأحكام هو عينُ الحقّ، لما اجتمعت الأمّةُ على قتله واستئصال شأفته مع بليغِ وصايا رسول الله فيه.
تعلّمنا من الحسين أنّ أصحابَ العبادة والطقوس مِنْ صائمين وقائمين كانوا متوفّرين بكثرة في الصفّ المجرم، وخاطبهم الحسين (إنْ لم يكنْ لكم دين) .. تعلّمنا منه أنّ الدين هو المعاملةُ الإنسانية التي تعرف الحقوقَ والحرماتِ وتحفظها.
تعلّمنا من الحسين أنّ الفطرةَ الأولى هي الحرّية، وأنّ النّاس قد يقعون أُسراءَ دينٍ مشوّه متجهّمٍ أو يُعلَّلُون بغرورٍ دينيٍّ بصكوك الجنّة فلا يخافون المعاد، فليس لهم مِن بقيّة حبلِ نجاةٍ عن الهوْي في التوحّش إلاّ أن يكونوا أحراراً في دنياهم، وإلاّ فالحيْوَنة العمياء.
تعلّمنا من الحسين أنّه ليس أفضلُ من التضحية والصبر مَعْبراً للنّصر، ولا شيءَ يُنبتُ التضحيةََ كمحبّة الله ومحبّةِ اهل البيت وموالاتهم ومحبة الآخرين.
تعلّمنا من الحسين أنّ الشجاعة هي مواجهة الصعاب والأعداء مع ظنّ الغلبة والانتصار، في حين أنّ البطولةَ هي في مواجهة ذلك مع ظنّ المحقِ والانكسار، فقط لينتصرَ المبدأ والشعار
تعلّمنا من الحسين أنّ المرءَ خيرٌ له أنْ يكونَ مظلوماً عنه ظالماً، مقتولاً منه قاتلاً، بريئاً مأخوذاً عنه مجرماً طليقاً، فأذى البراءة والمظلوميةِ والمقتوليّة لا يدوم إلاّ جيلاً، ووصمةُ الأخريات المُخزية .. لعناتٌ أبديةٌ وشقاءٌ لا يفتر.
تعلّمنا من الحسين أنْ يُستغنى أحياناً عن النّصر الآني لقاءَ النصرِ الأبديّ، واللّذة الآنية والألم الآني قبال الآخر الحقيقي.
تعلّمنا من الحسين أنّ أسلوبَ الحصارِ وقطعِ الأزواد ودوْسِ الأبرياء والأهوجية واللارحمة هي دائماً ميزاتُ الصفّ المُبطِلِ منزوعِ الضمير.
تعلّمنا من الحسين أنّ الأمّة إذا تخاذلتْ أو ركبتْ جَمُوحَ هواها لا يُؤثّر فيها خطَبٌ ولا نصّ، بل أعمالٌ نبيلةٌ صِرْفة ومشاريعُ إصلاحية أقربُ للبطولات المستحيلةِ .. لتحرّك العكِرَ والراكَد مِن مياهها.
تعلّمنا من الحسين أنّ الحسينَ لا يُسمَعُ صوتُه ولا مناشداتُه في عصرِ سلطان الخوف والجهلِ والتشويه بل وقد يُجزُّ رأسُه وتُكسّرُ أسنانُه.
تعلّمنا من الحسين أنّ درجاتِ التعرّي في الأمّة لا تحُطُّ بغتةً بل بالتدريج نزلةً بعدَ أخرى، حتّى لا تعي الأمّةُ نفسَها يوماً إلاّ عاريةً تزني في نفسِها وتقول: ها، كيف آل بي المطافُ إلى هذا؟ وما هو سببُ الانحطاط؟ ألا إنّها أسبابٌ وأسبابٌ لابثين فيها أزمنةً وأحقابا.
تعلّمنا من الحسين أنّ مخافةَ الله كانت كافيةً أنْ تحجزَ قاتليه عن جريمتِهم وتكفي لكفِّ العالمين عن كلّ جرائمِهم.
تعلّمنا من الحسين أنّ المرءَ يجبُ أنْ يقرأ زمانَه ويتعلّقَ بربّه ليُدركَ واجبَه الذي عليه أن يقومَ به، ولو خالف فيه أئمّتَه السابقين وسلفَه الصالح، فلكلّ زمانٍ قراءةٌ ولكلّ زمان أحوال، فاتبّاعُ السلف لو ثبت لما قام الحسينُ مخالفاً سلفَه ولما قعد الحسنُ مخالفاً سلفه.
تعلّمنا من الحسين أنّ معارك الأهواء لا تُغيّر وجهَ التاريخ وتبقى رهينةَ زمانها ولو طالت مِائةَ سنة، وأنّ معاركَ القِيَم يبقى صداها مدى الدهر وتحيا رجالُها مخلّدين في القلوب وفي الذاكرة ولو كانت بِطول نصفِ يومٍ .. "كعاشوراء".
تعلّمنا من الحسين أنّ الأمّة قد تنتكس حتّى تطعنَ قلبَها، تسحقَ أفضل مَن فيها، هنالك تُكتبُ الذلّة وتتنكّب الأمّة عن طريق السلامة والرقيّ.
تعلّمنا من الحسين أنّ في كلّ معسكرٍ قبْلَ الالتحام هناك أناسٌ طيّبون وآخرون خبثاء، ولابدّ من بُرْهاتٍ وبرهات ليتميّزَ الفريقان فيلتحق كلّ صنفٍ بما يرتضيه من مبادئ أو ما يُهيجه من غرورٍ وهوىً، ثمّ ينتجُ الكرب والبلاء على أحدهما أو كليْهما .. وهكذا.
تعلّمنا من الحسين أنّ الأمس كما هو اليوم قد يدّعي الدينَ الجميعُ، ويدّعي حبّ آل محمّد الكلُّ، ثمّ يحملق كلُّ أحدٍ في عُنقِ صاحبِه ليحزّه.
تعلّمنا من الحسين أنّ الحقّ قد يُداسُ عليه ويُسحق، لكنّ الخسارةَ ستُدفع مِن كيسِ جميع ِمَن شهد.
تعلّمنا من الحسين أنّ الشرفَ والوضاعة هي لا بالنسب ولا باللّون، لا بالخطابة والفصاحةِ، لا بالكفاءة والسياسة، لا بحفظ القرآن ولا بمعرفة الشريعة، إذ كلُّ أولئك موجودون في الصفّ الآخر بأفضل النماذج وأعجبِها، بل بفضيلةٍ تنقدح في القلب يُحبُّ بها الصالحون وتفيضُ بالرحمة على الضعاف والبريئين.
تعلّمنا من الحسين أنّ أنصار الحقّ ليسوا حسب الطائفة والمذهب ولا من الديانة الواحدة، بل هم أصحابُ القلوب الإنسانيةِ أنى كانوا، الذين يُنكرون الظلمَ والبشاعةَ ويمتلكون الصدقَ والرقّة والتواضعَ ما يجعلُهم يخضعون للهدى ويُذعنون للحقيقة.
تعلّمنا من الحسين ممّن نصره مِن أصحابه أنّه لا يهمّ الماضي السيّءُ بل القرارُ الحاضرُ في اللحظة المصيريّة، فإنّه وإنْ كانت ليست كلّ لحظات عمر الأمّة مصيريةً فإنّ كلّ لحظات عمرِ الفرد مصيريّةٌ ومفاجئة، ليُكتبَ في مدوّنةِ التاريخ مع السعداءِ أم مع التافهين والأشقياء.
تعلّمنا من الحسين ألاّ نعزّيه فقداً لأنّه ليس بمفقودٍ، وكيف يُعزّى مَن هو بالتضحية فينا وبالقيَم مولودٌ، تعلّمنا منه أنْ لا نفقدَ ما تعلّمنا منه .. لنكون معه.
نسالكم الدعاء