[SIZE="4"][align=center]بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
اللّهم صلّ على محمّد وآل محمّد وعجّل الفرج لوليّك القائم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
::: الإنسان في حياته إنّما هو في رحلة وسفر ، يحاول أن يكون موفّقاً في عمله ، وناجحاً في اُسرته ومجتمعه ، ولكن على المرء أن يسعى ليكون من أهل الخير حتّى تتاح له الظروف وتتهيّأ له الأسباب ويكون موفّقاً وناجحاً.
::: مع هذا هناك أسباب عامّة اتّفق عليه العقلاء أنّ من التزم بها ، مع حقّ المراعاة ، فإنّه يتوفّق في الحياة ، منها
أغتنام الوقت والفرصة
::: جاء الإسلام ليكوّن للمسلم حياة سعيدة ، فدعاه إلى النشاط والحيوية والفرح المعقول ، ونهاه عن التضجّر والكسل والحزن المذموم ، الذي يُعدّ من وساوس الشيطان وتسويلاته ، وأمره أن يغتنم الفرص وينتهزها ، كما يغتنم خمساً قبل خمس ، كما ورد في الحديث النبويّ الشريف لأبي ذرّ الغفاري ، فقال (صلى الله عليه وآله) :
« يا أبا ذرّ ، اغتنم خمساً قبل خمس : اغتنم شبابك قبل هرمك ، وفراغك قبل شغلك ، وصحّتك قبل سقمك ، وغناك قبل فقرك ، وحياتك قبل مماتك ».
::: وأمّا اغتنام الفرصة ، فقد قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) :
« انتهزوا فُرص الخير فإنّها تمرّ مرّ السحاب ».
« الفرصة تمرّ مرّ السحاب ، فانتهزوا فرص الخير ».
« الفرصة سريعة الفوت بطيئة العود ».
« الفرصة خلسة ».
« الفرصة غُنم ».
« أ يّها الناس ، الآن الآن من قبل الندم ، ومن قبل أن تقول نفس : يا حسرتي على ما فرّطت في جنب الله ، وإن كنت لمن الساخرين ، أو تقول : لو أنّ الله هداني لكنت من المتّقين ، أو تقول حين ترى العذاب : لو أنّ لي كرّة فأكون من المحسنين ».
::: قال الإمام الحسين (عليه السلام) :
« يا ابن آدم ، إنّك لم تزل في هدم عمرك منذ سقطت من بطن اُمّك ، فخذ ممّـا في يديك لما بين يديك ، فإنّ المؤمن يتزوّد ، والكافر يتمتّع ».
« الأمس موعظة ، اليوم غنيمة ، وغداً لا تدري ».
::: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :
« كن على عمرك أشحّ منك على درهمك ودينارك ».
« إنّ العمر محدود لن يتجاوز أحد ما قدّر له ، فبادروا قبل نفاد الأجل ».
::: وقال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) :
« لو اعتبرت بما أضعت من ماضي عمرك لحفظت ما بقي ».
« إنّ المغبون من غبن عمره ، وإنّ المغبوط من أنفذ عمره في طاعة ربّه ».
« إنّ ماضي عمرك أجل ، وآتيه أمل ، والوقت عمل ».
« إنّ ماضي يومك منتقل ، وباقيه متمّ ، فاغتنم وقتك بالعمل ».
« إنّ الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما ، ويأخذان منك فخذ منهما ».
« ما أسرع الساعات في اليوم ، وأسرع الأيام في الشهر ، وأسرع الشهور في السنة ، وأسرع السنين في العمر ! ».
« رحم الله امرءاً علم أنّ نفسه خُطاه إلى أجله ، فبادر عمله ، وقصّر أمله ».
« إعمل لكلّ يوم بما فيه ترشد ».
::: فمن كان يرى حياته وعمره هكذا ، وينظر بهذه الرؤية الإلهية ، كيف لا يستغلّ دقائق عمره ، ولم يغتنم فرص حياته ؟ ! ولا يجعلها غصّة بضياعها ، فإنّ إضاعة الفرصة غصّة ، فإنّها تمرّ كما تمرّ سحاب الربيع ، فهي سريعة الزوال وإن كان يتصوّرها الناظر كثيرة وفيها المطر الغزير ، فتدبّر فما أروع هذا التمثيل في لسان الروايات الشريفة.
::: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) :
« بادر الفرصة قبل أن تكون غصّة ».
::: قال الإمام الباقر (عليه السلام) :
« بادر بانتهاز البغية عند إمكان الفرصة ، ولا إمكان كالأيام الخالية مع صحّة الأبدان ».
::: وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :
« والله ما يساوي ما مضى من دنياكم هذه بأهداب بُردي هذا ( الأهداب جمع هدب وهو خمل الثوب وطرّته ) ، ولما بقي منها أشبه بما مضى من الماء بالماء ، وكلّ إلى لقاء وشيك وزوال قريب ، فبادروا العمل وأنتم في مهل الأنفاس ، وجدّة الأحلاس ( الأحلاس جمع حلس : ما يوضع على ظهر الدابّة تحت السرج ) ، قبل أن تأخذوا بالكَظَم ( مخرج النفس ) فلا ينفع الندم ».
« من فتح له باب من الخير ، فلينتهز ، فإنّه لا يدري متى يغلق عنه ».
::: قال الإمام الصادق (عليه السلام) :
« ترك الفرص غصص ».
« من انتظر بمعاجلة الفرصة مؤاجلة الاستقصاء سلبته الأيام فرصته ، لأنّ من شأن الأيام السلب ، وسبيل الزمن الفوت ».
::: ما أروع هذه الكلمة الحكمية التي تخبرك عن واقع الأيام والزمان ، فمن الناس ، من لم يغتنم الفرصة المتاحة له في عمل من الأعمال ، فلا يعجل في الاستفادة منها ، بل يؤجّل العمل ويؤخّر الفرصة على أمل أن يستقصي أطراف العمل كلّه ، مثلا لو اُتيحت له الفرصة بأن يتزوّج ولو ببناء عشّ ذهبيّ متواضع ، تجده لا يقدم ويدّعي أ نّه لا بدّ لي من قصر فخم وسيارة آخر موديل وعمل تجاري ناجح وأثاث منزلية رائعة حتّى يتزوّج ، فمثل هذا الشخص تسلبه الأيام تلك الفرصة ، لأنّ من شأن الأيام السلب ، وطريقة الزمن الفوت.
::: وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) :
« من أخّر الفرصة عن وقتها ، فليكن على ثقة من فوتها ».
« إذا أمكنت الفرصة فانتهزها ، فإنّ إضاعة الفرصة غصّة ».
« أشدّ الغصص فوت الفرص ».
« أفضل الرأي ما لم يفت الفرص ، ولم يوجب الغصص ».
« من ناهز الفرصة أمن الغصّة ».
« الصبر على المضض يؤدّي إلى إصابة الفرصة ».
« الاُمور مرهونة بأوقاتها ».
« من الخُرق ـ أي الحماقة ـ المعاجلة قبل الإمكان ، والإناءة بعد الفرصة ».
::: نتيجة الأحاديث الشريفة : أنّ العاقل من يستغلّ الفرص ويبادر إليها ، وذلك بعد التمكّن ، فلا يعجل قبل الإمكان ، فإنّه من مصاديق العجلة من الشيطان ، بل عليه أن ينتظر ، وبمجرّد أن تتاح له الفرصة فلا يتأنّى ، كلاعب كرّة القدم فإنّه يتحيّن وينتظر الفرصة ، حتّى يهجم على مرمى الحارس ، ويسجّل هدفاً ، ومثل هذا يعدّ لاعباً ناجحاً وموفّقاً.
::: فالمسلم يبادر إلى الفرصة ، ويعمل ولا يقضي حياته بالبطالة والفراغ.
::: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :
« إنّ الله يُبغض الصحيح الفارغ لا في شغل الدنيا ولا في شغل الآخرة ».
::: وقال الإمام الكاظم (عليه السلام) :
« إنّ الله ليبغض العبد النوّام ـ أي الذي ينام كثيراً ـ إنّ الله ليبغض العبد الفارغ ».
::: وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) :
« إن يكن الشغل مجهدة ، فاتّصال الفراغ مفسدة ».
::: وفي أدعية الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) ورد عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) :
« واشغل قلوبنا بذكرك عن كلّ ذكر ، وألسنتنا بشكرك عن كلّ شكر ، وجوارحنا بطاعتك من كلّ طاعة ، فإن قدّرت لنا فراغاً من شغل ، فاجعله فراغ سلامة لا تدركنا فيه تبعة ولا تحلقنا فيه سأمة ، حتّى ينصرف عنّا كتاب السيئات بصحيفة خالية من ذكرِ سيّئاتنا ، ويتولّى كتّاب الحسنات عنّا مسرورين ».
::: وقال في دعاء مكارم الأخلاق :
« اللهمّ صلّ على محمد وآله ، واكفني ما يشغلني الاهتمام به ، واستعملني بما تسألني غداً عنه ، واستفرغ أيّامي فيما خلقتني له ».
« وارزقني صحّة في عبادة ، وفراغاً في زهادة ».
« وأذقني طعم الفراغ لما تحبّ بسعة من سعتك ، والاجتهاد فيما يزلف لديك وعندك ، وأتحفني بتحفة من تحفاتك ، واجعل تجارتي رابحة ، وكرّتي غير خاسرة ، وأخفني مقامك ، وشوّقني لقاءك ».
::: ونتيجة الأحاديث الشريفة : إنّ الفراغ للمؤمن مذموم ، إلاّ إذا كان في طاعة الله من التفكّر والتأمّل والتدبّر في خلق الله ، فإنّ المؤمن يحتاج إلى مثل هذه الساعة في حياته ، كما قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) :
« ما أحقّ الإنسان أن تكون له ساعة لا يشغله عنها شاغل ».
::: فيخلو بنفسه وربّه لمحاسبة النفس ومناجاة الربّ عزّ وجلّ ، فتدبّر.
::: قال الله سبحانه وتعالى مخاطباً نبيّه الأكرم (صلى الله عليه وآله) :
( فَإذا فَرَغْتَ فانْصَبْ وَإلى رَبِّكَ فَارْغَبْ ).
::: وفـّـق الله جميع السالكين في طريق الحق وسعادة الدنيا والاخرة ، دمتم برعاية الله وحفظه.[/align][/SIZE]