جولة أولى لـ«الجنرال» في الشوف تشمل دير القمر والمختارة وبيت الدين
جنبلاط يحتفي بضيفه... ويحيي صفير «الراعي الأكبر للمصالحة» الشوف : ... وتلاقى «البيك» و«الجنرال» أخيرا في الشوف. احتفالية مشهدية جمعتهما وأثمرت مساعي لجان التنسيق لقاء شعبيا درزيا ـ مارونيا جامعاً. التقى الرجلان في المختارة، في بيت الدين... في غرس أرزة المستقبل، لكن «كيمياء التقارب» ما زالت بحاجة الى جولات على طريق أطول من طريق المختارة ـ بيت الدين، وإن أجمعت مصادر الطرفين على أهمية الحدث، وأبعاده المستقبلية.
«البيك» يحسب خطواته بدقة «نحو السلام والوئام الدائم بين أبناء الجبل عامة والشوف خاصة، وملف المهجرين عبء ثقيل، إقفاله بات ملحاً (...)». «الجنرال» في المقابل «يطمح لعودة المهجرين وإتمام المصالحة بعد زيارة الكاردينال نصر الله صفير الى الجبل عام 2001».
وعلمت «السفير» ان اتفاقا تم بين «البيك» و«الجنرال» على «التعاون في طي ملف ثلاث بلدات هي بريح، كفرسلوان وعبيه. وأكد جنبلاط أمس لضيفه ان التعاون هام مع الدولة، وتوفير الأموال لملف المهجرين هو من مهمة حكومة الرئيس سعد الحريري».
المختارة.. بعد دير القمر
لأكثر من نصف ساعة انتظر جنبلاط ضيفه في باحة قصر المختارة الخارجية. وصل الموكب أخيرا. استقبل جنبلاط عون، وتوجه الرجلان ومعهما الحضور الى ضريح «المعلم كمال جنبلاط» حيث وضع «الجنرال» إكليلا من الزهر، قبل ان ينتقل و«البيك» الى باحات القصر الداخلية.
صحيح أن المختارة كانت ثاني محطة في جولة عون، بعد كنيسة سيدة التلة في دير القمر (حيث وضع الجنرال إكليلا من الزهر على روح داني شمعون وعائلته) وقبل مطرانية بيت الدين، لكنها كانت المحطة الأهم؛ ففي قصر البيك عقد لقاء بين التيار الوطني الحر والحزب التقدمي الاشتراكي. طُرح ملف المهجرين، وتم الاتفاق على طي ملفات بلدات ثلاث.
قدم «الجنرال» لمضيفه القارئ النهم خصوصا للمؤلفات الفرنسية «رؤيتي» بالفرنسية وكتاب «في ديار مار مارون» لغسان الشامي. فبادله «البيك» بتقديمه كتاب رواية لمؤلف فرنسي قبل القيام بجولة سريعة في مكتبة القصر.
«الجنرال» يلتقي في المختارة رجال دين دروزاً. ويشدد أمامهم على ثقافة السلام. قال لهم: إن «الحروب في الماضي كانت استثناء والقاعدة هي التعايش». الكلام هذا أكده عون في التصريحات العلنية. وقال إن اللقاء استثنائي، وهو ليس لقاء مصالحة لأن مصالحة بدأت منذ زمن، ولا مصارحة لأن المصارحة تمت»، معتبراً «أننا في لقاء إقامة السلام في منطقة الجبل ونحن في بداية مرحلة جديدة من حياتنا التي ستؤسس لقرون من السلام لأننا أدركنا عبثية الحروب لأن المدفع لا يبني الأوطان».
العمل على القاعدة هو الأساس، وهو ما عبر عنه «الجنرال»، الذي قال إن الفكر الذي نتفاهم عليه نريد أن نعممه على كل المواطنين، لأن فكرنا إذا لم يترجم على مستوى القاعدة نكون كأننا لم نفعل شيئا.. وكل ما أنجز الى الآن هو علاقة تكوين.
«حق الاختلاف واقع في السياسة وهو حال الديموقراطيات» برأي العماد عون. وبالطبع كلام السياسة قد «يفسد» أجيالا. والكلام ـ في مراحل سابقة ـ على وجود أجراس الكنائس في المختارة، وضع الجنرال حدا له، بقوله إن «الحديث عن الأجراس كان حديثا في السياسة ليس الا، ولكن لو وجدت الأجراس هذه في المختارة حقا لعرضها وليد بيك علينا». وهو ما انعكس ارتياحا في الأوساط الدرزية.
«ويلات كثيرة مرت على الجبل»، قال جنبلاط العبارة هذه في الخفاء والعلن، ليؤكد من خلالها أهمية «ان نورث الأجيال اللاحقة سلاما ومحبة وعيشا مشتركا ضمن التنوع المعروف في الوطن اللبناني».
بيت الدين... أرزة مصالحة
في ختام زيارة قصر المختارة، طلب عون التقاط صورة مع جنبلاط للتاريخ، وعرض الأخير على ضيفه التوجه بسيارته الى مطرانية بيت الدين ومعهما تيمور. أراد «البيك» ـ بحسب أوساطه ـ إيصال رسالة واضحة. رسالة تؤشر الى دور المطرانية الجامع تاريخيا تحديدا أيام المطران البستاني، والست نظيرة جنبلاط، ولغرس الارزة في المطرانية تحديدا وليس في أي مكان آخر، في الشوف دلالاته المستقبلية الواضحة في هذا الإطار. بالطبع زيارة عون هامة، فـ«له قاعدته الشعبية في الجبل»، لكن للبطريرك الماروني نصر الله صفير مكانة لا تتزعزع في قلب جنبلاط، «فهو الراعي الأكبر للمصالحة»، كما يقول «البيك».
«قهوة وحلويات مع وفد من المطارنة والآباء في صالون مطرانية بيت الدين قبل أن يسير «الجنرال» و«البيك» على السجاد الأحمر الذي يوصل الى الحشد البرتقالي عند كتف الدير. هنا تحديدا كان الخلاف بين المطران الياس نصار وزعيم الجبل. فجنبلاط رفض البناء في هذه المنطقة للحفاظ على طابعها التاريخي والمطران أصر منذ توليه كرسي المطرانية أي قرابة الثلاث سنوات، على استخدامها لضرورات عملية سواء لإقامة رياضات روحية أو لاستضافة مراسم الزفاف من دون المس بتاريخيتها. تضاربُ الرأيين انتهى الى «كفة» المطران وعلى نفس الأرض تجمهر البرتقاليون على كراس بلغ عددها ألفين وخمسمئة وامتلأت جميعها. توسط عون وجنبلاط المطرانين نصار ومطران الكاثوليك الياس حداد. وانتهت الكلمات الى إنجيلين وأيقونتين لكل من «القائدين» وغرس أرزة في أرض المطرانية تخلد «زيارة الجبل الى الجبل» على ما أشارت لافتة «بريح» التي تختصر تحدي الزيارة في ملف العودة.
جنبلاط قال من بيت الدين إن «المصالحة في الجبل تتكلل بحضور رئيس تكتل «التغيير والإصلاح». وأضاف: حاولوا تعطيل المصالحة في الجبل لكن جمهور العماد عون كان أقوى وفرض الصلحة بقوته.
«لقاء اليوم تاريخي لمعالجة موضوع تاريخي من خلال إحياء الذاكرة ومواجهة الواقع بكل مكوناته ومنطلقاته ونتائجه»، قال «الجنرال» في بيت الدين، واشار الى ان «الحروب الأهلية لا تمحى إلا بعمل جريء يتخطى المعالجات التقليدية»، مؤكداً أن «المصالحات هي بداية أما إقامة السلام فهي شيء آخر وهي الغاية وهي تتجسد هنا والآن».
أضاف قائلا إن «الشعوب التي تفتقد الذاكرة تكرر أخطاءها بشكل متقطع لذا واجب علينا أن نحيي ذاكرتنا دائما، ونتشبه بمن سبقنا بذلك مثل الشعوب الأوروبية التي دمرتها الحروب وبدأت تتلاقى في كل عام لإحياء ذكرى شهدائها وتكرمهم عندما قررت إقامة السلام.
وأكد «أننا قادرون على أن نبعد عنا ويلات الحرب الأهلية، شرط أن نتحاشى الأخطاء الجسيمة بحق بعضنا البعض، ويجب علينا ترك الوقت لمؤسسات المجتمع لأنها المرجع الوحيد الذي يرد حق المعتدى عليه».
ولفت الى «أن «معاناة الشعب اللبناني لغاية اليوم هي نتيجة ثقافة التقوقع والانعزال لذلك لم يفهم العوامل التي أدت به الى الانزلاق، وعلينا أن نكون المبشرين والمعلمين لثقافة جديدة ونقل المجتمع من الثقافة التصادمية الى الانفتاح وهذا لن يكون فقط من وسائل الإعلام».
عون ختم كلمته داعيا لإقامة «نصب تذكاري في كل قرية لجميع شهدائها اينما وكيفما سقطوا». بعد ذلك غرس وجنبلاط أرزة تخليدا للتفاهم المستقبلي.
اليوم، «تتقاطع مصالح عون ـ جنبلاط، في لحظة مفصلية داخلية وإقليمية»، هذا ما تقوله مصادر متطابقة لـ«السفير»، وبالطبع، لتحول «سيد المختارة» الدراماتيكي، بعد حوادث 7 أيار 2008، تاثيره العام، وإن انطلق «الرجلان من حسابات خاصة مستندة على المتغيرات الإقليمية والمحلية، الا ان جسر العبور بينهما يلتقي عند نقطة مفصلية تتعلق بخصوصية جبل لبنان الجنوبي التاريخية. خصوصية تكرست بثنائية مارونية ودرزية، برغم التغير الديموغرافي الذي بدأ يرخي بثقله على الجبل من جهتي إقليم الخروب السني ومن ساحل المتن الجنوبي الشيعي».
بين «البيك» و«الجنرال» أجيال لاحقة، تيمور جنيلاط يمثل احدها. وهو قد تابع بدقة كلام والده «السائق» و«الجنرال» المرافق على طريق المختارة ـ بيت الدين. كان تيمور ثالث الزعيمين في الرانج روفر الكحلي. «الوالد» أراد إيصال رسالة غاية في الوضوح عبر عنها صراحة لاحقا: «المحبة، السلام والعيش المشترك أساس ضمن التنوع المعروف في الوطن اللبناني (...)». الرسالة وصلت في النتيجة وهي عينها، الرسالة، التي أراد جنبلاط الأب ترسيخها في ذهن «الابن» من خلال اللقاءات الثلاثة مع السيد حسن نصر الله.