حديث رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، أمام لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست قبل أيام، عن أن «حزب الله هو الجيش اللبناني الحقيقي وحلّ مكان الجيش الرسمي»، وأن حزب الله «مع الحكومة اللبنانية مندمجاً أحدهما بالآخر»، هو حديث موجَّه إلى الأذن الأميركية، من بين استهدافات أخرى، ويستبق زيارة الرئيس ميشال سليمان لواشنطن.
تدرك إسرائيل أن أحد بنود زيارة العماد سليمان للولايات المتحدة يتعلق بالسؤال عن التزام أميركي سابق بتسليح الجيش اللبناني وتدريبه، الأمر الذي يدفعها (إسرائيل) إلى استباق هذا المطلب والحؤول دونه، وخاصة أنها تشخّص خطورة في أي سلاح يصل إلى لبنان، وتتمسك بوجوب دفع أثمان لبنانية تخدم صراعها مع حزب الله، قبل «سماحها» بتسليح الجيش اللبناني.
في أعقاب خروج الجيش السوري من الأراضي اللبنانية عام 2005، برز اتجاه لدى الإدارة الأميركية السابقة بوجوب تسليح الجيش اللبناني وتحسين قدراته العسكرية وتمكينه من تنفيذ القرار 1559، أي تفكيك «الميليشيات غير الشرعية» بحسب التعبير الأميركي. كان المقصود، على نحو شبه حصري، نزع سلاح المقاومة وإنهاء وجودها العسكري.
لم يقتصر المسعى الأميركي على تفكيك سلاح حزب الله، بل كان الطموح مبالغاً فيه إلى حد كبير، إذ تحدثت مصادر مقربة من دوائر القرار في الولايات المتحدة، في حينه، عن إمكان تفكيك حزب الله سياسياً، فضلاً عن تفكيك سلاحه، فصورة «ثورة الأرز» في ذلك الوقت كانت نضرة، وسببت آمالاً أميركية مفرطة.
لم تكن الأسباب الموجبة لتفاؤل الأميركيين كافية تماماً لإقناع الإسرائيليين بـ«جدوى الاتكال» على الجيش اللبناني لنزع سلاح حزب الله، فقد كانت تنظر بشك، وعن حق، إلى إمكان تجنيد الجيش لضرب المقاومة، وبالتالي لم تكن متشجعة كثيراً للرؤية الأميركية. في حينه، بثّت إسرائيل إشارات متناقضة ودالة على القلق وعلى الأمل في الوقت نفسه. من جهة، رأت في تطورات الساحة الداخلية اللبنانية وانسحاب الجيش السوري، فرصة معقولة من ناحية نظرية، لإنهاء المقاومة من دون أن تبادر إلى عدوان عسكري مباشر، ومنها توفير بيئة مؤاتية لأفرقاء في الساحة اللبنانية لضرب حزب الله، لكنها من جهة ثانية لم تكن مفرطة في تفاؤلها وبإمكان تحقيق هذه المطلب، كما كان يأمل الأميركيون، علماً بأنها تفهمت المساعي الأميركية من دون أن تبني عليها كثيراً، وأسهم في تفهمها هذا أن المساعدات العسكرية المقترحة للبنان، لا تتجاوز كونها أسلحة تصلح للاقتتال الداخلي المطلوب منها ضد حزب الله. في الوقت نفسه، لم تكن تمثّل (الأسلحة) سوى حد أدنى من الخطورة على الجيش الإسرائيلي.
أعلنت تل أبيب قلقها ومعارضتها على نحو مباشر وواضح، في أعقاب فشلها عام 2006 ضد المقاومة، أي مع اكتشافها لقدرة حزب الله ومنعته مقابل التحديات العسكرية. إذ اتضح لإسرائيل أن ما لم يستطع الجيش الإسرائيلي القيام به، لا تستطيع جهة لبنانية داخلية أن تقوم به، ومن بينها الجيش اللبناني، سواء رضي بذلك نظرياً، أو لم يرضَ.
رغم هذا التطور (حرب 2006)، بقيت الولايات المتحدة تُعلن «التزامها» تسليح الجيش، وهذا ما ذهبت إليه إدارة الرئيس باراك أوباما. بحسب نائب مساعد وزير الدفاع الأميركي لسياسات الشرق الأوسط، كولين كاهل (نيسان 2009)، تنوي الإدارة الأميركية تزويد الجيش ما يمكّنه من «منع إطلاق صواريخ من جنوب لبنان (على إسرائيل) ومراقبة الميليشيات». أضاف أن «البرنامج يهدف إلى تطويق أعمال العنف وتأمين الحدود اللبنانية، ومنع الأنشطة العسكرية في جنوب لبنان، واكتشاف مخابئ الأسلحة هناك». ويعني ذلك تراجعاً أميركياً واضحاً عن الأهداف الابتدائية من وراء تسليح الجيش اللبناني، أي الابتعاد عن نزع سلاح المقاومة، نحو العمل على إيجاد بيئة مزعجة لحزب الله، تصعّب عليه العمل، بوصفه مقاومة.
وكانت الولايات المتحدة قد أعلنت التزامها تسليح الجيش اللبناني منذ عام 2006، وقدّرت مبلغ المساعدة العسكرية بـ410 ملايين دولار، موزعة ما بين وسائل قتالية وعمليات تدريب وتأهيل عسكري، لكن لا أحد رأى أين وكيف يبدأ هذا المبلغ وأين ينتهي. وحتى هذه الساعة ما زالت المساعدة العسكرية خجولة، ولم تصل إلى حيّز التنفيذ الفعلي. ولعل ما نقلته صحيفة هآرتس في أيار من العام الماضي، يكشف عن «العقبة» الفعلية، إذ نقلت الصحيفة عن مصادر دبلوماسية إسرائيلية قولها إن «الولايات المتحدة امتنعت عن تزويد لبنان وسائل قتالية متطورة استجابةً لطلب إسرائيلي»، مضيفة أن «واشنطن رفضت طلباً لبنانياً بالحصول على سلاح ثقيل بسبب تحفظ إسرائيل، التي تخوفت من أن يوجه السلاح إليها في المستقبل، أو أن يسقط بيد حزب الله».
هل تنجح زيارة الرئيس سليمان في حثّ الأميركيين على تنفيذ وعودهم المتكررة حيال الجيش اللبناني؟ المسألة موضع شك كبير، رغم توقع إطلاق وعود أميركية جديدة، ورغم إمكان تنفيذ جزء منها، لكن بما لا يمثّل تهديداً مستقبلياً على إسرائيل، إذ لا يمكن الولايات المتحدة أن تسلّح الجيش وتسليحاً فاعلاً، ما لم ينزع عن نفسه عقيدته القتالية، وعدّه إسرائيل عدوة للبنان، كذلك لا يمكنها (واشنطن) أن تتجاوز ما تراه تل أبيب تهديداً لأمنها، وخاصة أن لا تناقض كبيراً في هذه المسألة بين الجانبين، في هذه المرحلة، فكلاهما يدرك حدود القدرة في لبنان على نزع سلاح المقاومة.
الأخبار