غني عن البيان، أن الكونغرس الأميركي لعب ــ ولا يزال ــ دورًا مهمًّا في قضايا الصراع العربي ـ الإسرائيلي. فإسرائيل منذ فرضها كأمر واقع في الأراضي العربية تحظى بدعم قوي من قبل أعضاء الكونغرس الأميركي من الحزبين الكبريين، الديمقراطي والجمهوري. ويهتم الكونغرس بالقضايا المتصلة بالسلام في الشرق الأوسط من منطلق دوره في الإشراف على سير السياسة الخارجية الأميركية ودعمها لإسرائيل. وفي تقريرنا هذا نعرضُ لدور الكونغرس الأميركي في الصراع العربي ـ الإسرائيلي، ودعم أعضائه للكيان الإسرائيلي.
المساعدات الأميركية لإسرائيل
تُعد المساعدات التي يقرها الكونغرس الأميركي لإسرائيل أحد أهم الأدوار لدعم إسرائيل. ففي إحدى التقارير الصادرة عن الكونغرس الأميركي بعنوان "المساعدات الأجنبية الأميركية للشرق الأوسط: الخلفية التاريخية، الاتجاهات الحديثة، في العام المالي 2010 U.S Foreign Assistance to the Middle East: Historical Background, Recent Trends, and the FY2010 Request"، أشار إلى أنه منذ عام 1967، وإسرائيل أكبر متلق سنوي للمساعدات الخارجية من الولايات المتحدة الأميركية، وقد تلقت إسرائيل دعمًا قويًّا من الكونغرس الأميركي زودها بمزايا غير متاحة لدول أخرى، فعلى سبيل المثال، يمكن لإسرائيل أن تستخدم المساعدات العسكرية الأميركية للبحث والتطوير والمشتريات العسكرية. بالإضافة إلى ذلك، أن جميع المساعدات الأميركية لإسرائيل تستلمها في أول ثلاثين يومٍ من السنة المالية على حين تستلم الدول الأخرى المساعدات على دفعات متعاقبة في أوقات متابينة.
في الوقت ذاته، يُحظر تقديم مساعدات أميركية إلى الحكومة الفلسطينية التي تقودها حماس ما لم تقمْ من بين أمور أخرى، بالاعتراف بحق إسرائيل في الوجود، والالتزام بجميع الاتفاقيات الدولية السابقة، وتخليها عن نهجها العسكري. وفي هذا الصدد، نشير إلى ما أثاره بعض أعضاء الكونغرس حول تبرعات الولايات المتحدة الأميركية للأونروا والتي قد تستخدم في دعم حركات المقاومة الفلسطينية والتي تنظر إليها واشنطن والغرب على أنها جماعات إرهابية، وذلك حسب كثير من التقارير الأميركية منها تقرير سابق نشره التقرير تحت عنوان "رؤية أميركية جديدة لدور الأونروا". وارتكزوا في ذلك على البند 301 لقانون المساعدات الخارجية عام 1961 بصيغته المعدلة، والذي يؤكد ضرورة عدم تقديم هذه المساعدات إلا في حالة اتخاذ الأونروا لجميع التدابير الممكنة التي تضمن عدم تقديم المساعدة إلى أي لاجئ يتلقى تدريبًا عسكريًّا بوصفه عضوًا في ما يسمى بجيش التحرير الفلسطيني، أو غيرها من العصابات المنظمة التي تشارك في الأعمال "الإرهابية".
الكونغرس في مواجهة قضايا شائكة
في دراسة قدمتها كارول ميجدالوفيتز Carol Migdalovitz، بعنوان "المفاوضات الإسرائيلية العربية: معلومات أساسية، صراعات، والسياسة الأميركية Israeli- Arab Negotiations: Background, Conflicts, and U.S. Policy"، أشارت إلى أنه من أولى هذه القضايا هي قضية مدينة القدس، فقد أعلنت إسرائيل القدس في عام 1967، عاصمة أبدية دون تقسيم. في حين يرى الفلسطينيون القدس الشرقية عاصمة لهم، وقد حافظت الإدارات الأميركية المتعاقبة على أن الأطراف الإسرائيلية والفلسطينية يجب أن تحدد مصير القدس في المفاوضات. ومع ذلك، نجد أن كلاً من قرار مجلس النوابH.Con.Res.60 في 10 من يونيو 1997، ومجلس الشيوخ S. Con. Res.21 في 20 من مايو 1997 قد طالبا الإدارة التأكيد على أن القدس يجب أن تبقى العاصمة الموحدة لإسرائيل.
وقد حظر الكونغرس مرارًا وتكرارًا، على الحكومة الأميركية التعامل مع السلطة الفلسطينية في القدس، واستخدام الأموال المخصصة لإنشاء مكاتب الحكومة في إسرائيل لمزاولة العمل مع السلطة الفلسطينية، كذلك سمح الكونغرس لإسرائيل أن تسجل على أنها مكان ميلاد المواطنين الأميركيين في القدس. وترجمت هذه الأحكام إلى قانون The Omnibus Appropriations Act عام 2009، وتم التوقيع عليه كقانون في 11 من مارس 2009. في حين لم تعترف وزارة الخارجية الأميركية بذلك بدعوى أنها لم تعترف بالقدس كلها كجزء من إسرائيل، واعتبرتها موضوعًا مطروحًا على طاولة المفاوضات.
من ناحية أخرى، يلعب الكونغرس دورًا مثيرًا للجدل في فرض العقوبات على الدول متخطيًا بذلك حدود ولايته التشريعية في الولايات المتحدة الأميركية، وقد وقع الرئيس بوش على "قانون محاسبة سوريا وسيادة لبنان"، في 12 من ديسمبر 2003، والذي أقره الكونغرس بأغلبية كبيرة، لمحاسبة سوريا على أعمالها التي تقوض السلام. وهو ما كان له توابع في عام 2006، و2008 حيث أصدر الرئيس بوش أوامر تنفيذية إضافية في هذا الموضوع. وفي 7 من مايو عام 2009، أعلن الرئيس أوباما استمرار حالة الطوارئ لمدة سنة واحدة فيما يخص سوريا، مما يعني استمرار العقوبات. وفي رسالة بعث بها إلى أعضاء الكونغرس، قال: "إن سوريا تشكل تهديدًا لمصالح الولايات المتحدة الأميركية".
رسائل الكونغرس من أجل "عملية السلام"
على الرغم من أنه لا يوجد اختلافات جوهرية بين أعضاء الكونغرس تجاه موقفهم من عملية السلام، فهي تصب بشكل أو بآخر في دعم العلاقات الأميركية ـ الإسرائيلية. فيلاحظ أن كلاًّ من قرار مجلس الشيوخ S.Res.10 الذي تم الموافقة عليه بالإجماع في 8 من يناير 2009، وقرار مجلس النواب H.Res.34 في 9 من يناير من العام ذاته والذي تم الموافقة عليه بأغلبية 390-5، و22 حضور، قد اعترف بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد الهجمات التي تصدر عن قطاع غزة، كما أكدا على دعم الولايات المتحدة القوي لإسرائيل، ودعمها لعملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
ويتفق عدد من أعضاء الكونغرس الأميركي مع الرئيس أوباما في أن النشاط الاستيطاني لإسرائيل يقوض الجهود الرامية إلى تحقيق السلام، ومن ثم لابد من أن تتوقف. ومن هؤلاء رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ The US Senate Foreign Relations Committee السيناتور الديمقراطي جون كيري John Kerry.
وفي 31 من يوليو الماضي وقع حوالي 200 عضوٍ من أعضاء مجلس النواب على رسالة بعثوا بها إلى العاهل السعودي عبد الله بن عبد العزيز، ناشدوه فيها بأن تعلن السعودية التزامها بالوصول إلى السلام مع إسرائيل. كما ناشد النواب الأميركيون العاهل السعودي بأن يظهر دورًا قياديًّا قويًّا لعهد جديد من السلام والمصالحة، من خلال الدفع بتحرك فاعل نحو إسرائيل. وأعرب النواب في رسالتهم عما أسموه خيبة أملهم بما شاهدوه حتى الآن من ردة فعل الحكومة السعودية على طلب الرئيس أوباما، وردًا على الرسالة أكد وزير الخارجية السعودي بأنه لا يمكن أن تقوم السعودية بأي خطوة للتطبيع مع إسرائيل قبل إعادة كل الأراضي العربية، وهو ما استنكره أعضاء الكونغرس.
وفي ظل تواتر الأحداث، بعث حوالي 71 سيناتور بمجلس الشيوخ الأميركي بينهم ستة من 13 يهوديًّا برسالة إلى الرئيس الأميركي باراك أوباما يطلبون منه الضغط على الدول العربية للاعتراف بإسرائيل وتطبيع العلاقات معها، قاد تلك الجهود إيفان بايه Evan Bayh وجيم ريتشJim Risch، وعززته لجنة الشئون العامة الأميركية الإسرائيلية (أيباك). وقد وقع على الرسالة زعماء مجلس الشيوخ من الحزبين، زعيم الأغلبية السيناتور الديمقراطي هاري ريد Harry Reid، وديك دوربن Dick Durbin، وزعيم الأقلية السيناتور الجمهوري ميتش ماكونيل Mithch McConnell، وجون كيل Jon Kyl، وتنص الرسالة على أن جهود إسرائيل تجاه السلام لم تقابل على قدم المساواة من قبل الدول العربية.
وأشارت الرسالة إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتينياهو، قد وافق على فكرة وجود "حل الدولتين"، وأنه يريد استئناف محادثات السلام، وأن المسئولين الإسرائيليين قد عملوا على تحسين الحياة في الأراضي الفلسطينية، ومن ثم فإن هذه الأعمال أثبتت أن إسرائيل مستعدة لدعم أقوالها بأفعال ملموسة، حتى في مواجهة التهديدات المستمرة لأمنها، وهنا طالب أعضاء الكونغرس الأميركي القادة العرب باتخاذ خطوات ملموسة مماثلة لإظهار التزامهم بعملية السلام.
وعلى وجه التحديد، طالب أعضاء مجلس الشيوخ الرئيس أوباما بتشجيع جامعة الدول العربية على إنهاء مقاطعتها لإسرائيل، وإقامة علاقات على كافة المستويات التجارية والرياضية منها والسياحية والأكاديمية أيضًا، فضلاَ عن إجراء محادثات دبلوماسية مع مسئولين إسرائيليين. ورأوا أن ذلك سيعطي انطباعًا قويًّا بأن الدول العربية ملتزمة بعملية السلام، ويمكن أن تساعد في بدء عهد جديد من السلام والأمن في الشرق الأوسط.
وقد أشار السيناتور ريتشارد لوجار Richard Lugar، أحد أعضاء لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، بتاريخ 15 من مايو 2009 في معرض حديثه عن الطريق إلى السلام في الشرق الأوسط أن كلاً من الإسرائيليين والفلسطينيين منقسمون سياسيًّا، وأن حكوماتهم تفتقد بشكل واضح قدرتهم على قبول التضحيات الكبرى في صالح السلام. وعلى ذلك من الضرورة على الإدارة الأميركية والكونغرس أن يتحدا في التزامهم بالسعي نحو السلام في الشرق الأوسط.
* رضوى عمار
العالم