إذا كانت زحمة السير بالنسبة الــى اللبنانيين معضلة "عويصة" لن تفلح جسور العالم في حلّها أو التخفيف مــن وطأتها، يبدو أنّ العالم وإن كان يضحك في عبّه على بلدٍ ما زالت صورته المصدّرة تعكس سياراتٍ متراصفةٍ، فإنه في المقابل يجد في تلك المشهديّة "بــازل" قابلة للمشاهدة والتمعّن في خطوطها وألوانها.
هي اللوحة اليوميّة التي لسنا في صدد إعادة نغمتها. لوحة ككلّ اللوحات، زاخمة بالألوان والأشكال والخطوط مع فارق واحد هو أنّ الريشة ضائعة والرسّام مجهول.
بقدر ما يعجّ المشهد بالسيّارات، بقدر ما تكثر المشاريع التطويريّة والإنمائيّة التي تحمل وزارة الأشغال والنقل لــواﺀهــا. فعدا أعمال الحفر والطمر وإنشاﺀ الجسور المسهّلة، تعِدُ كواليس الوزارة والمتآزرين معها في مجال النقل بمشاريع متقدّمة تبصر النور قريبً ا. وفي إطار الخطوات الأخيرة، تؤكد مصادر وزارة الأشغال العامة والنقل أنّ "الوزارة تعمل على وضع اللمسات الأخيرة على مشروع يحمل عنوان" نظام النقل السريع بالباصات "، أمّا الفكرة فقوامها باصٌ ســريــعٌ يختلف عــن باقي الباصات المتجوّلة على الأراضي اللبنانيّة، إذ يتبع هذا الباص خطاً سريعًا وحصريا له مع تعيين مواقع محدّدة للمحطات التي يتوقّف عندها وهي محطاتٌ شبه معدودة تقتصر مهمّتها على نقل الركاب من المغذيّات الرئيسة في المناطق الجبليّة البعيدة الى الطريق الساحليّة".
المشروع الذي ستُعلن تفاصيله فــي وقــــتٍ لاحـــق مــن قــبــل الــــوزارة فــور التمكّن مــن آلية تنفيذه، من المفترض أن يشمل خــط جونيه- بيروت في مرحلةٍ أوليّة حسبما أشارت المصادر نفسها على أن يتمّ توسيعه وتعميم المشروع ليشمل خطوطً ا أخرى على غرار خط خلدة - الجيّة. وفي حــال الغوص في أهميّة المشروع لاتضح أنه مشروعٌ رائدٌ من شأنه وضع حدّ ناجع للاختناق المروري ناهيك عــن تخفيف وطـــأة الآثـــار السلبيّة لاستخدام السيارات الخاصّة على البيئة. ولا يُعتبر المشروع ذا منحىً إقتصاديﱟ وحسب لجهة التوفير على المواطن كلفة صفيحة البنزين يومياَ أو حتى التنقل بسيارات أجرة خاصّة أو "سرفيس"، بل سيكون مقدّمة صريحة لبداية تعميم ثقافة النقل العام واللجوﺀ اليها بعيدً ا من شروط "البريستيج" تمامًا كما يحصل في الغرب.
يندرج هذا المشروع في إطــار ما يُــعــرَف بالـ BRT "" System أو الـ BUS "Rapid" Transit وهو مشروعٌ يقترب - فــي حــال مواظبة الـــوزارة المعنيّة على إنــجــازه بشكل كامل - من سكك القطارات أو ما يُعرف بالـ "ميترو" في البلاد الراقية. ولعلّ ذاك الميترو هو السرّ العجيب الذي عجزت بعض الدول اليوم عن فكّ شيفراته.
فــالــيــه يــعــود الــفــضــل فـــي غــيــاب مشهديّة الطفرة المروريّة في تلك الــدول، رغم أنّه مدعومٌ في المقابل بسلسلة جسور أنيقة وإشارات سير واحترام تامّ وكامل لقوانين السير في تلك البلاد. والــى حين انقشاع غيوم التشكيلة الحكوميّة المقبلة، ومعرفة الجهة التي تحمل لواﺀ حقيبة الأشغال والنقل واقعٌ وسؤالٌ يفرضان نفسيهما: الأوّل أنّ وزارة الأشغال الحالية في حكومة تصريف الأعمال لا تألو جهدً ا على قدر ما أعطيت من إمكاناتٍ لتحسين شبكة المواصلات بين المدن والقرى. وثانيهما يحمل علامة استفهام قوامها تساؤلٌ عن إمكانيّة إبصار المشروع النور قريبً ا خصوصًا أنّ لبنان وشوارعه في أمسّ الحاجة اليه.
على نــطــاق آخـــر، نــشــرت وكــالات الأنــبــاﺀ العالميّة مــؤخــرًا خبرً ا يؤكد أنّ "الــحــكــومــة الــلــبــنــانــيــة تــدرس الاستعانة بنظام القطارات العائمة خلال السنوات المقبلة للتغلب على المشاكل المرورية على الأوتوستراد الساحلي الذي يربط بيروت بصيدا جنوبا وبطرابلس" شمالا، مشيرة الى أنّ "الفكرة نوقشت مع المدير العام السابق للنقل في لبنان، وحديثا مع مجلس الإنماﺀ والإعمار من دون أن يستقر الــرأي بعد على اعتماد هذا الحل الأقــل كلفة، والأســرع تنفيذا خــصــوصــا أن الــبــحــر يعتبر حاليا المتنفس الوحيد لكل الاختناقات المرورية". وعوّلت المعلومات على دراسةٍ أطروحيّة للمهندس اللبناني فــريــدريــك كـــرم أعــدهــا عــن نظام القطارات العائمة، لافتاً الى أنّ في استطاعة القطار العائم أن يجتاز كل عشر دقائق الشاطئ اللبناني بأكمله خلال ساعتين ونصف الساعة بسرعة 70 كيلومترً ا في الساعة، في حين أن السيارة تحتاج لقطع هذه المسافة الى خمس ساعات. علما أن القطار الواحد يتسع 002 لـ راكب. ومن شأنه أيضا أن يخفف من استهلاك الوقود لأنه ينقل السيارات بدلا من انتقالها على الاوتوستراد.
وتشير المعلومات الأوليّة المستقاة من أطروحة المهندس كرم الى أنه يمكن إنشاﺀ المرحلة الأولى بين بيروت وجونية شمالا لحل اختناقات السير في أوقــات الــذروة على الاوتوستراد الذي يربط المدينتين، وربما تستدعي هــذه المرحلة إنــشــاﺀ أربــع محطات وتسيير ستة قطارات عائمة. على أن تبدأ المحطات صغيرة الحجم ويعمل على توسيعها فــي مــراحــل لاحقة يتطلبها ازدهار الحركة.
وفي حال نجحت المرحلة الأولى يمكن الانتقال إلى ربط سائر المدن اللبنانية الساحلية بالنظام نفسه الذي يستدعي إنشاﺀ 14 محطة، 7 رئيسية و7 أخرى فرعية.
ورغم أنّ أصداﺀ المشروع لم تصل بشكل تفصيليﱟ الى الجهات المعنيّة يبقى التعويل على مشاريع مماثلة مــن شأنها أن تنقذ شـــوارع لبنان وترحم شعبه.
البلد